هل تعمل من المنزل وتشعر وكأنك تعمل طوال الوقت؟ إليك ما ينبغي فعله

4 أغسطس 2020

توكا ماير

حملتْ سنة 2020 في طياتها أحداثًا كثيرةً غيّرت مناحي حياتنا، ومن أهمها الحالة الوبائية لكوفيد-19 التي سبّبتْ أهم تغيير طرأ على أسلوب حياتنا، ألا وهو أن معظمنا أصبح يعمل من المنزل. لو عاد بنا الزمن إلى أول شهر يناير من هذه السنة وسألنا أصحاب الشركات والمديرين عن وجهة نظرهم بخصوص العمل عن بعد، لكان ردهم حينها أن الفكرة مستبعدة وغيرعملية.

ومع ذلك، وبحلول شهر أغسطس، صار ما يزيد على 50 بالمائة من الموظفين الذين لا تشمل وظائفهم أعمالًا يدوية يعملون من منازلهم. ويومًا بعد يوم ازداد قادة الشركات يقينًا بأن عودة الموظفين إلى المكتب لن تكون بالأمر السهل.

العمل عن بعد حل عملي وفعال، لكن التحدي الحقيقي هو تجنب ساعات العمل الطويلة التي قد تؤدي للإنهاك والإرهاق والضرر بالأداء الإدراكي لدى الموظفين. وقد يكون العمل المكثف فاعلًا في رفع الإنتاجية على المدى القصير، لكنه يستنزف طاقة الموظفين وذو تأثيرات سلبية بعيدة المدى.

وبصفتي أخصائيًا في علم النفس التنظيمي والمؤسساتي، درستُ الشركات التي تميّزتْ في العمل عن بعد لعقد من الزمن. وقد عملتُ أنا شخصيًا عن بُعد بدوام كامل لأكثر من نصف مسيرتي المهنية التي استمرت 15 عامًا، وبناءً على تجربتي الخاصة والبحث الذي أجريتُه تعلمتُ الكثير عن مقاومة الإرهاق والإنهاك الناجمين عن العمل من المنزل.

إليك أربع طرق يمكنك من خلالها إدارة إرهاق العمل عن بعد:

  1. قم بتحديد ساعات العمل

في فترة من الزمن كانت القاعدة هي أن الموظفين يعملون لساعات محددة في اليوم، وبمجرد انتهاء تلك الساعات المحددة تنتهي معها الإنتاجية. كان هذا هو النمط الشائع في العمل حتى ظهرت التكنولوجيا في عصرنا الحالي وأصبح معظمنا يمتلك هاتفًا ذكيًا يربطه بكل شؤون العمل عبر البريد الإلكتروني، وأدت التكنولوجيا إلى الخلط بين حياتنا الوظيفية وحياتنا الشخصية وإلى تلاشي الخطوط الفارقة بين ما نعتبره وقت العمل ووقتنا الشخصي، لكن الموظفين الأكثر إنتاجية يدركون أهمية إعادة تلك الحدود من جديد.

لذلك، إذا كنت تريد تفادي العمل طوال الوقت، فعليك وضع جدول زمني تحدد به متى تبدأ العمل ومتى تتوقف عنه. صحيح أنك ربما تحتاج إلى التحلي بالمرونة إزاء وضع فترات راحة طويلة، لكن هذا ليس سببًا يمنعك من وضع جدول زمني تلتزم به؛ لأنك إن لم تلتزم بجدول زمني، فلن يمنعك شيء من أن تنهض وتفتح حاسوبك المحمول بسبب فكرة خطرت ببالك خلال ساعات فراغك وأنت تشاهد فلمًا مع أصدقائك مثلًا؟

بدلًا من النهوض مباشرة لتنفيذ فكرتك ومقاطعة ما كنت تفعله، احتفظ بها إلى حين بداية ساعات عملك. لا شك في أنك ستتلقى إشعارات خارج ساعات عملك، لكن التزامك بروتين محدد سيجعل الآخرين معتادين على الانتظار وعدم توقع الرد حتى بداية يوم عملك التالي. تأكد من أن أفراد فريقك على دراية بساعات عملك، وأنك بدورك تعرف أوقات عملهم وتحترم جدولهم الزمني أيضًا.

 2. مارس روتين ما بعد العمل

إضافة إلى تحديد ساعات العمل، قد ترغب في تهيئة روتين معين عندما يحين الوقت لاختتام دوام عملك، كأن تقوم مثلًا بمسح صندوق بريدك الإلكتروني أو التخطيط لمهامك المقبلة.

إليك اقتراحًا آخر: اجعل يوم عملك ينتهي بجملة مميزة أو عبارة تأكيد تقولها لنفسك. أخبرني أحد أصدقائي، وهو الكاتب المتألق كال نيوبورت، أنه في نهاية كل يوم عمل يراجع قائمة المهام وجدوله الزمني للأسبوعين المقبلين ليتأكد من أن لديه خطة لإنجاز كل واحدة من مهامه، وبعد ذلك يغلق حاسوبه مباشرة وينطق كلماته السحرية: "جَدولة الإغلاق... اكتملت".

هذه التوكيدات مرتبطة بقاعدة عقلية، إذ يقول نيوبورت أنه بعد نطقه عبارته السحرية تلك، يلاحظ ما إذا كان يخالجه أي شعور بالقلق ذي صلة بالعمل، فإذا شعر بأي قلق يُحدث نفسه قائلًا: "لقد قلتُ عبارتي الختامية، وهذا يعني أنني تحققتُ من جميع مهامي وخططي للأسبوع المقبل. كل شيء في الحسبان ومخطط له، ولا داعي للقلق".

الهدف الرئيسي من استخدام عبارات كهذه هو الراحة النفسية الناتجة عنها، حتى وإن بدت هذه العبارات سخيفة على غرار التعويذات التي يطلقها نيوبورت. ومن واقع تجربتي الشخصية، وضعتُ أنا أيضًا لنفسي روتينًا لفترة ما بعد العمل، سأشرحه في النقطة التالية.

3. غير الأجهزة التي تعمل عليها عندما تغيير الأوضاع

بعد تخرجي في الجامعة، حصلتُ مع أول وظيفة لي على حاسوب محمول تابع للشركة التي عملتُ بها. كان الجهاز ضعيف الأداء وثقيل الوزن، وكانت هناك شائعات بأنه تتم مراقبة الموظفين من خلال برامج غير قانونية محمولة على تلك الأجهزة. لكنني لأجل أغراضي ومهامي الشخصية استخدمتُ حاسوبي الخاص، إذ كنتُ حينها ما زلتُ أملكه منذ أيام الجامعة، واكتشفتُ في واقع الأمر أن استبدال الأجهزة بعد نهاية كل يوم عمل لم يمثل لي عبئًا على الإطلاق، بل كان مصدر راحة كبيرة بالنسبة لي.

ما زلتُ أطبّق هذه القاعدة على جميع أجهزتي المحمولة؛ فمثلًا، لدي هاتف ذكي يحوي التطبيقات وحسابات البريد الإلكتروني المتعلقة بالعمل، ولدي أيضًا حاسوب لوحي خصصتُه فقط للترفيه وتصفح منصات التواصل الإجتماعي.

يتضمن روتين ما بعد العمل تبديل أجهزتي في غرفة مختلفة بالطابق العلوي. بالطبع يمكنني الرجوع إلى أجهزة العمل في أي وقت، لكن عناء صعود الدرج يمنعني من ذلك في أغلب الأحيان.

وفي حال كنت تستخدم حاسوبك الشخصي للعمل وليست لديك نيّة لاستخدام جهاز آخر، بإمكانك إنشاء حسابين على جهازك، على أن تخصص أحدهما للعمل والآخر للأمور الشخصية. واحرص على أن تمنح كل حساب تسمية مناسبة له، من قبيل: "حساب العمل" و"حساب الترفيه".

4. اقض بعض الوقت بالخارج

عندما تأخذ فترات للراحة سواءً في أثناء أوقات العمل أو غيرها، تأكد من الخروج إلى أي بيئة طبيعية قريبة منك. إذ تثبت الأبحاث أن إمضاء الوقت في الطبيعة هو أفضل طريقة للشعور بالراحة والاستعداد، بل والسعادة أيضًا، إذ إن قُربنا من الطبيعة كالأشجار والمسطحات المائية له تأثير قوي يساعد عقولنا في الاسترخاء والشعور بالراحة النفسية.

لربما قد يكون الخروج في نزهة هو آخر ما نفكر فيه عندما ننشغل أو يصيبنا الإرهاق. لكن نزهة سريعة في الحي أو الحديقة المجاورة لمنزلك ستجعلك تشعر بتحسن ملحوظ وراحة كبيرة، بعكس الجلوس على أريكتك ومشاهدة برامج شاهدتها للمرة السابعة. 

إن لم تصدق الأمر فلا بأس، لكن ثمّة دراسة أظهرتْ أن معظم الناس استخفوا بمقدار السعادة البالغة التي يشعرون بها قبل الذهاب إلى نزهة في بيئة طبيعية. لذا عندما تشعر مرة أخرى بأن توترك قد ارتفع، لا تشرب فنجانًا آخر من القهوة، بل اخرج في نزهة إلى الطبيعة لاستنشاق بعض الهواء النقي والمنعش.

وسواء كنت تتبنى هذه الممارسات أو تطور ممارساتك الخاصة، تذكر أن الهدف من هذه النصائح هو وضع الحدود ومعرفة متى يجب التوقف عن العمل وتحويل تركيزك إلى المناحي الأخرى من حياتك. 

العمل من المنزل يجعل وقتك كله مكرسًا للعمل، وهذا بالطبع ليس صحيًا على المدى البعيد. وبالتالي فإن قضاء بعض الوقت خارجًا وبعيدًا عن العمل سيجعلك أكثر إنتاجية. حاول دائمًا أن تفصل نفسك عن نمط العمل، فذلك أفضل معروف تُسديه لنفسك. فبهذه الطريقة لن تشعر وكأنك تعمل طوال الوقت.

يمكنك مشاهدة محاضرة ديفيد بوركوس هنا:

عن المؤلف

ديفيد بوركوس هو عالم نفس تنظيمي ومؤلف خمسة من أكثر الكتب مبيعًا، بما فيها كتاب Leading from Anywhere: Unlock the" Power and Performance of Remote Teams