هل الإيجابية الحل دائمًا؟ الدور المحوري لمشاعرنا السلبية في صقل شخصياتنا

8 مايو 2019

روز وونغ

قد يبدو الأمر متناقضًا، لكن تقبّل ومواجهة مشاعرك السلبية أساس للسعادة والراحة النفسية على المدى الطويل. وها هي أخصائية علم النفس سوزان ديفيد تكشف طرق التعامل مع المشاعر السلبية بشكل إيجابي.

الكثير منا سمع عبارات من قبيل "ابتهج" أو "انظر إلى الجانب المشرق" من قِبل أفراد العائلة أو الأصدقاء المقربين.غالبًا ما تكون نيتهم حسنة، لا سيّما إذا بدت علينا علامات الحزن أو القلق أو الإحباط أو مجرد الشرود والاستغراق في التفكير بأمور تشغل بالنا. وربما لا نتقبل عبارات كهذه رغم النوايا الحسنة التي وراءها، وقد تتملكنا الرغبة في الرد عليها بعبارات على غرار "لا أكترث" أو "لا تخبرني بما ينبغي فعله"، لكننا نبقي ذلك في دواخلنا؛ لأننا لا نريد أن نجرح مشاعر من يهتمون بنا.

لكن اسد لنفسك معروفًا في المرة المقبلة، بأن تفصح عمّا بداخلك لمن حولك مع الحرص على التحلي بالاحترام أو التهذيب. أصبح التحلي بالإيجابية شكلًا جديدًا من أشكال السلوك الأخلاقي القويم، أي صرنا مجبرين على التحلي بالإيجابية دائمًا وأضحت المشاعر السلبية مرفوضة تمامًا، وفقًا لما تقوله عالمة النفس سوزان ديفيد، المؤسسة والمديرة المشاركة لمعهد التدريب بمستشفى ماكلين في كلية الطب بجامعة هارفارد، وهي أيضًا مدربة في علم النفس بجامعة هارفارد ومؤلفة كتاب "الرشاقة العاطفية".

تقول سوزان إن قمع مشاعرنا السلبية أو محاولة الابتعاد عنها ليس أمرًا صحيًا أو إيجابيًا، ذلك لأنه يضعف قدرتنا على التعامل مع العالم كما هو وليس كما نريد. وترى سوزان أن قمع المشاعر السلبية يصحبه ضعف في مستويات التحمل لدى الفرد ومستويات عالية من القلق والاكتئاب، كما يؤثر على علاقاتنا وقدرتنا على تحقيق أهدافنا.

إذن، ماذا نفعل بدلًا من ذلك؟

عوضًا عن دفع المشاعر السلبية دفعًا وإجبار أنفسنا على ارتداء قناع الإيجابية، علينا أن نصنف مشاعرنا بفاعلية، فهذه من أكثر الطرق نجاعة في التعامل مع المشاعر الصعبة. لاحظت سوزان أن بعض الناس عندما يتحدثون عن مشاعرهم يستخدمون تصنيفات ثنائية، أي إما أبيض أو أسود، وإما جيد أو سيء؛ غير أن المشاعر لا تصنّف بهذه الطريقة. ولنعطي مثالًا "بالإجهاد"، وهو حالة نفسية شائعة بين الناس، فقد تجد من يستخدم عبارة "أنا مُجهد" في كل ظرفية تقريبًا للتعبير عن حالات نفسية مختلفة نسبيًا، والإجهاد بشكل عام يصفُ حالة شديدة من التوتر والشعور بالضغط، غير أن الإجهاد الناجم عن الإحباط يختلف عن الإجهاد الذي يصيبنا عندما نعمل في وظيفة غير ملائمة، ويختلف أيضًا عن الإجهاد النفسي الذي نشعر به في علاقة غير ناجحة. ينبغي أن نتحرى التصنيف الدقيق لمشاعرنا، فهذا يساعدنا في فهم مسبباتها ووضع خطط لتجاوزها.

أفضل ما يمكنك القيام به بعد تحديد مشاعرك هو أن ترأف بنفسك وأنت تتقبّلها. يعتقد بعض الناس أن الرأفة بالنفس مقرونة بالضعف أو الكسل أو الوهم؛ لكن هذ غير صحيح، إذ تقول سوزان إن هذه الرأفة تتيح تهيئة مساحة آمنة في داخلك تلجأ إليها عندما تسوء الأمور، ما يجعلك قادرًا على تحمل المزيد من الضغوط النفسية، كما تجعلك أكثر فاعلية، وتدفعك لاكتشاف العالم من حولك، لأنك مع الرأفة لن تقسو على نفسك حتى وإن ساءت الأمور؛ بل على العكس، ستوجهها بكل الحب والعطف. كيف لا، فالرأفة تزيد مستويات الكفاءة.

وكخطوة أخيرة، حاول أن تفصل نفسك عن التجربة. تقول سوزان إن الحرص على وجود مساحة بيننا وبين مشاعرنا أمر إيجابي يتيح لنا رؤية الأمور من جوانب عديدة. فمثلًا، بدلًا من أن تقول "أنا حزين"، تقترح عليك سوزان أن ترصد مشاعرك بأن تقول شيئًا على غرار: "ألاحظ أنني أشعر بالحزن، وأنني أشعر بعدم الراحة هنا، كما ألاحظ أن لدي رغبة في مغادرة الغرفة".

هذه الطريقة في التعامل مع مشاعرك تضع نواياك وقيمك في المقدمة، وتجعلك أنت المتحكم بزمام الأمور بدلًا من مشاعرك. وتخلُص سوزان إلى تجربة المشاعر والأفكار السلبية من حين لآخر أمر طبيعي؛ المهم هو ألا ندعها تتحكم بنا أو أن تصبح محركًا لانفعالاتنا وموجهًا لسلوكياتنا.

 

عن المؤلفين

داريل تشين هي محررة قسم الأفكار Ideas في TED.

جوليا فوال هي مديرة شبكات التواصل الإجتماعي في TED.