لماذا يجد الرجال غير الأكفاء طريقهم بسهولة إلى السلطة؟ وما الذي يمكننا فعله حيال ذلك؟
Unsplash / سارة جين سوثر
يوضح عالم النفس التنظيمي توماس تشامورو–بريموزيك أنّه إذا كنا نريد تحسين مستوى كفاءة قادتنا علينا أولًا تحسين كفاءتنا في الحكم على القادة واختيارهم، خاصة حينما يكونون رجالاً.
هل سبق وجرّبت العمل لصالح مسؤولين أو قياديين ليسوا أكفاء أو جيدين كما يعتقدون؟
تدل النسب الإحصائية على انتشار هذه النماذج بين الذكور أكثر من الإناث، وهي نتيجة لا تثير التفاجؤ لمعظمنا. هذا صحيح - يغترّ الرجال عادةً بمواهبهم أكثر من النساء، ويصادفون نجاحًا أكبر في حيواتهم المهنية أيضًا. وذلك أنّه من أفضل الطرق لخداع الآخرين لدفعهم أن يعتقدوا بأنك أفضل مما أنت عليه بالفعل هو خداع نفسك أولًا.
يوضّح تشامورو أنه متخصص في علم النفس التنظيمي؛ مما يعني أنه يسخّر الأدوات العلمية والتكنولوجية لفهم السلوك البشري في العمل، وينوّه أن من ضمن أكثر ما يبهره في هذا المجال العلاقة بين النوع الاجتماعي والشخصية والقيادة، وبصورةٍ أكثر تحديدًا، كيف يحدّد النوع الاجتماعي والشخصية طريقة اختيارنا للزعماء والقادة ومن ثم كيف يؤثر هؤلاء المختارين على منظماتهم. وتميل مناقشات النوع الاجتماعي إلى التركيز على التمثيل الناقص للمرأة في القيادة، وهو أمرٌ سائدٌ على مستوى عالميّ للأسف.
لكن المشكلة الأكبر تكمن في حقيقةِ أن معظم القادة غير أكفاء. يؤثر القادة فاقدو الأهليّة – سواء في مجالات العمل أو السياسة – سلبًا على أتباعهم ومرؤوسيهم، ما يُنتج مستويات منخفضة من المشاركة والثقة والإنتاجية مصحوبة بمستويات عالية من الإرهاق والضغط. جرّب أن تبحث عبر جوجل أو وسائل التواصل الاجتماعي عن عبارة "مديري.." لتطّلع على ما يفكّر فيه معظم الناس بشأن مدرائهم (وربما تجد بعض المواساة في أنك لست وحيدًا في معاناتِك مع مدرائك)، ستجد أوصاف من قبيل "مجنون"، "لئيم"، "لا يطاق"، "سيئ"، "لا يفهم"، وغيرها من كلماتٍ قد لا يناسب السياق ذكرها.
ليس السؤال إذًا: لماذا لا توجد قيادات نسائية أكثر؟ بل السؤال الرئيس الذي علينا طرحه: لماذا يصل الكثير من الرجال غير الأكفاء إلى القيادة؟
يستنتج تشامورو في أبحاثه أن هناك ثلاثة أسباب رئيسة وراء وصول الرجال غير المؤهلين للقيادة: أولها انعدام قدرتنا على التمييز بين الثقة والكفاءة. نميل عادةً – في مختلف الثقافات والبلدان – إلى افتراضِ أن الأشخاص الواثقين لديهم إمكانات أكبر للقيادة، لكن الواقع يقول أنه في أيّ مجال كان – بما في ذلك المجالات القيادية – لا يوجد سوى تداخل ضئيل للغاية ما بين الثقة (إلى أيّة درجةٍ يعتقد أحدهم ببراعته في شيءٍ ما) والكفاءة (مستوى براعته في هذا العمل على أرض الواقع).
والسبب الثاني هو حُبّنا للشخصيات المتمتّعة بالكاريزما، وهو أمرٌ زاد مع انتشار وسائل الإعلام الجماهيرية في الستينات، وتضاعف أكثر مع دخولنا العصر الرقمي الحديث. يبدو أننا نريد قادةً جاذبين وممتعين، لكن هناك فرق كبير بين القائد الفعال وبين الممثل الكوميدي. في الواقع، يتحلّى أفضل القادة عادةً بالتواضع أكثر من الكاريزما، تواضع يصل لنقطة الملل حتى.
لهذا السبب نادرًا ما يُعرض هؤلاء النوع من القادة في الأفلام والعروض التلفزيونية. يضرب تشامورو هنا مثالًا: تخيل فيلمًا عن أنجيلا ميركل، تستيقظ، تتناول وجبة الإفطار مع زوجها، تذهب إلى اجتماعاتٍ جيدة الإعداد، تسمح للآخرين بالتحدث دون مقاطعة، تتخذ قراراتٍ عقلانية، وهذا كله مصحوب بسيرة حياةٍ لا فضائح فيها. يقارن تشامورو ذلك بالمثالِ النقيض، القادة ذوي الكاريزما والجانب المظلم الساحر بسيرهم الذاتية المليئة بالتفاصيل الدرامية، وطرقهم بالتعامل التي تنتهي عادةً بتدمير البلدان والمنظمات.
والسب الثالث والأخير لوصول الرجال غير الأكفاء للسلطة هوقصور مقاومتنا لجاذبية الأفراد النرجسيين - إذ نُعجب بالأشخاص المشهورين والنرجسيين ممن يحملون تصوراتٍ متعالية تتغذى على نرجسيتنا نحن. وقد تنامت منذ عقود فكرة الإعجاب والوقوع بحبّ الأشخاص المشهورين فقط لكونهم مشهورين، ولو بقي الحال على هذه الوتيرة فستنظر الأجيال المقبلة إلى كيم كاردشيان وكانييه ويست متعجّبين: "ياه! كم كانوا متواضعين!". "ياه! كم كانوا متواضعين!".
تركّز الكثير من نصائح تعلّم فنون القيادة والإدارة – مثل حال الدورات المعنونة بـ"كيف تصبح قائدًا؟" – على تغذية وتشجيع مبدأ العقلية النرجسية: "حب نفسك، ولا تهتمّ بما يعتقده الناس عنك" أو "أنت رائعٌ إذا ظننت أنك رائعًا". لسوء الحظ، يُنتج هذا فيضًا من القادة الجاهلين لحدودهم والمعجبين بأنفسهم دون مبرر. يرى هؤلاء أن القيادة استحقاق لهم ويفتقرون إلى التعاطف وضبط النفس، ولذا ينتهي بهم الأمر إلى التصرف بانعدام ضمير والانغماس في المخاطر بطيش. بالمقابل، يبقي النخبة من القادة نرجسيتهم تحت السيطرة، ويهتمّون بالأشخاص الآخرين كثيرًا وبما يفكرونه عنهم ويقضون وقتًا طويلًا في القلق بشأن سمعتهم ولذا تقلّ الفضائح في سيرهم.
إذن، كيف نوقف وصول الرجال غير الأكفاء للسلطة؟
يتمثل الحل الأول في اتّباع الإشارات والسعي وراء الصفات الجيدة التي تُنتج قادة جيدين حقيقيين. يوجد تنافرٌ مرضيّ ما بين الصفات التي تغرينا لدى القادة عادةً وما بين الصفات اللازمة لصناعة قائد حقيقي. إذا ما أردنا تحسين أداء القادة علينا التركيز على السمات الصحيحة، وبدلًا من السقوط في فخ الأشخاص النرجسية والكاريزمية، علينا تشجيع من يتمتّعون بالكفاءة والتواضع والنزاهة. وهو ما يمكن أن يؤدي طبيعيًا إلى ارتفاع نسبة القادة الإناث، إذ أظهرت الدراسات العلمية الموسعة إحراز النساء درجاتٍ أعلى من الرجال في مقاييس الكفاءة والتواضع والنزاهة، لكن النقطة الأهم هنا هو النتيجة المتمثلة بتحسّن كفاءة الزعامات والمسؤولين لدينا إلى حدٍّ كبير.
يكمن الحلّ الثاني في الابتعاد عن الثقة في غرائزنا. فمعظمنا يحب اتّباع الحدس، ولكن لا يكون هذا الأسلوب جيدًا في أغلب الأوقات، وبذلك يكون الحدس شبيهًا بحس الدعابة، إذ يعتقد 90% من الناس بامتلاكهم حسّ فكاهةٍ عظيم، لكن كم من الناس مضحك فعلًا؟ تقل النسبة بكثير. يوجّهنا هذا الحلّ لتقليل التركيز على الانطباعات التي يصنعها الأشخاص أثناء المقابلات الوظيفية أو الإعلامية؛ إذ لا تمثل هذه المقابلات سوى دعوة مباشرة لإظهار تحيزاتنا وأحكامنا المسبقة. حتى ولو تحلّينا بالنوايا الحسنة، يبقى عسيرًا التغلب على ما نمتلكه من تحيّز مسبق، وحتى تدريب التحيّز اللاشعوري لا يستطيع إخفاء أمور من قبيل أن الذي أمامك أبيض البشرة، أو أنثى، أو جذاب. في الواقع كلما حاولت قمع أفكار معينة في عقلك كلما طفت وظهرت على السطح أبرز وأقوى حضورًا.
يضيف تشامورو ضمن مخطط تحسين نوعية قادتنا وجوب مساعدة نساء أكثر للوصول إلى المناصب القيادية، وبالتالي تغيير نوعية معاييرنا أثناء اختيار النساء. بمعنى أنه لا يجب الطلب من النساء التصرّف مثل الرجال غير الأكفاء السابق ذكرهم، مثل قضاء وقتٍ أكبر في الترويج الذاتي أو الدفع بمصالحهن الشخصية. ويرافق ذلك بالطبع عدم استبعاد الرجال ممن يفتقرون إلى السمات الذكورية التقليدية المتوافقة مع نماذجنا المعيبة التقليدية عن القادة.
بقدرِ ما نعمل على هذه الخطوات نفسح المجال لقادةٍ أفضل وأكثر كفاءة، ومع ذلك فإن التقدّم يبدأ بكل واحد منا. إذا كنا نريد تحسين مستوى كفاءة قادتنا علينا أولًا تحسين كفاءتنا في الحكم على القادة واختيارهم، خاصة حينما يكونون رجالاً.
هذا الجزء مقتبس من إحدى حلقات TEDxUniversityofNevada الحوارية. شاهده الآن: