تعزيز قدراتك الإبداعية ومهارات طرح الأسئلة والتعاون مع الآخرين

27 يوليو 2017

ستوكسي

هذا التمرين البسيط المستوحى من برامج تعليمية للأطفال سيساعدك في توسيع مداركك العقلية وتعزيز علاقاتك مع الآخرين. وفيما يلي يوضح لك المبتكر في مجال التربية والتعليم سوجاتا ميترا كيف يمكنك القيام بذلك.

ربما مر عليك وقت طويل منذ أن استلقيت على العشب ونظرت لأعلى وتساءلت: "لماذا السماء زرقاء؟" أو طرحت على نفسك سؤالًا صعبًا، على غرار: "أين يبدأ الكون، وأين ينتهي؟"

في العام 2013، حصل المبتكر في مجال التربية والتعليم سوجاتا ميترا على جائزة من TED بقيمة مليون دولار لأجل بناء وتطوير منصة تعليمية للأطفال عبر الإنترنت تنبني على أسئلة كبيرة مشابهة للتي طرحناها أعلاه. ورغم أن استراتيجية التعليم التي أعدها ميترا موجهة للأطفال بالأساس، فإنها ممتعة ومسلية للبالغين أيضًا. ومن خلال بعض التعديلات، سيساعدك منهج ميراتا التعليمي في إيقاظ فضول الطفل الذي بداخلك وفي الوقت نفسه ستتعلم مهارات جديدة ومهمة للغاية. إليك طريقة ذلك.

الخطوة الأولى: خصص ساعة من يومك لإشباع فضولك المعرفي.

تتمحور "المدرسة السحابية" (School in the Cloud) التابعة لميترا حول طريقة بسيطة تُعرف باسم جلسة "بيئة التعلّم المنظّمة ذاتيّا"، واختصارها "صول" (SOLE). تستفيد هذه الجلسة من الأسئلة الكبيرة والصعبة التي تثير الفضول ومن كونها متاحة عبر الإنترنت، وتبدأ بطرح سؤال عام ومثير من قبيل: ماذا سيحدث لو اختفت الحشرات؟ أو: لماذا تندثر اللغات؟ بعدها يُكوّن الأطفال مجموعات من أربعة أو خمسة أفراد، ويقضون حوالي  40دقيقة يقومون فيها بجمع المعلومات والبيانات عبر الإنترنت ثم تدوين النتائج ومناقشتها لمدة 20 دقيقة.

لعلك تتساءل: لماذا يعمد شخص راشد منشغل بأمور كثيرة إلى تتبّع جواب عن سؤال حول لون السماء الأزرق؟ ما يغفله الكثيرون في الواقع هو أننا نعيش طوال الوقت في دائرة مغلقة من المعلومات المتعلقة بنا دون أن نحاول الخروج منها. لكن سعيك لكسب وتحصيل معلومات جديدة حبًا في المعرفة سيعلمك الكثير بدون شك؛ فلربما تعيد النظر في بعض الأمور، أو تتضح لك أشياء لم تكن تفهمها من قبل، أو تتطرق إلى مادة من المواد التي كنت تتجنبها منذ المدرسة الثانوية. وعلاوةً على ذلك، ستجد نفسك خلال جلستك البحثية تتصفح مصادر عديدة لأجل العثور على معلومات موثوقة، وهذا سيساعدك في صقل مهارات التفكير الناقد لديك، كما ستحصل في أثناء تعاونك مع الآخرين على نصائح عديدة حول كيفية البحث تتعرف من خلالها على مواقع إلكترونية مفيدة ينبغي متابعتها. هكذا تتجاوز طرق التعلّم التقليدية وتوقد شغف المعرفة الذي خمد بداخلك مع توالي السنوات.

الخطوة الثانية: لطرح سؤال ما، فكّر من منظور كبير جدًا.

مع بلوغنا سن الرشد يتوقف معظمنا عن طرح الأسئلة الكبيرة والمعقدة، ذلك لأننا ننشغل بمسائل كثيرة ذات صلة بحياتنا المهنية والعملية. يقول ميترا: "فضول الكبار ينصب على جوانب الحياة العملية. فإن قال أحد مثلًا: إليكم أرخص طريقة لشراء منزل، يتقد فضولنا ونصبح متحمسين جدًا لمعرفة المزيد. لكن إذا سأل: لماذا نعيش في المنازل بالأساس؟ أو: ما الذي جعلنا نخرج من الكهوف؟ فلا أحد سيهتم بالموضوع".

إذن كيف يمكن أن تجد أسئلة عميقة تبدأ من خلالها رحلة البحث والاكتشاف؟ أسهل طريقة هي أن تسأل طفلًا، أو أن تتذكر آخر شيء سألك عنه طفل، مثل: ما سبب الفُواق؟ أو كيف يتم تشغيل السيارة؟ ومن الضروري طرح سؤال يمثّل تحديًا لأعضاء المجموعة. بإمكانك أيضًا أن تختار سؤالًا ذا صلة بعملك، طالما أنه لا يخطر على البال في الظروف الطبيعية. فمثلًا، السؤال الذي طُرح خلال جلسة "صول" التي أجراها ميترا مع مديري المدارس في مدينة هونج كونج هو: ما مستقبل الامتحانات؟

الخطوة الثالثة: نتفق على ألا نتفق.

جلسة "صول" بمثابة مساحة آمنة وبيئة مناسبة لما تطلق عليه الخبيرة الإدارية مارجريت هيفرنان اسم "الصراع البناء". فبدلًا من التعامل مع الاختلاف والاحتكاك على أنهما من الأشياء التي ينبغي تجنبها، تدعم عملية التعلم روح الابتكار وتغذيها من خلال فتح المجال أمام المشاركين للتعبير عن أفكارهم وآرائهم وتقديم مقارابات بديلة ومختلفة. يقول ميترا: "قبل بدء الحصة، نحفّز المشاركين على التعبير عن آرائهم وعدم القلق بشأن ما قد ينجم عن ذلك من اختلاف في وجهات النظر. هذا التحفيز يساعدنا في تجاوز مخاوفنا من عدم معرفة إجابات عن بعض الأسئلة أو ارتكاب أخطاء في حضور آخرين. وفي حصص البالغين، غالبًا ما تكون هناك مرحلة أولية يكون فيها الجميع مترديين يتحاشون الحديث في مجالات لا يعرفون عنها الكثير؛ فقد يقول أحد المشاركين: لستُ خبيرًا في التكنولوجيا، أو: لا أعرف عن هذا شيئًا، ثم يتراجع ليبقى على هامش المجموعة". لذا يحرص ميترا على طمأنة المشاركين والتأكيد على أن جميع الإجابات مرحب بها.

الخطوة الرابعة: استثمر في حكمة الآخرين ومعارفهم.

من العقبات الأخرى الكؤود التي ربما تواجهها: المنافسة. اعتاد معظم البالغين على العمل منفردين، ما يعني أن كل فرد في المجموعة يؤدي المهمة المنوطة به مستقلًا عن الآخرين. وعندما يكون العمل هو المهمة نفسها، فإننا نميل للتنافس، سواءً حدث هذا بوعي منا أو بدون وعي. لكن الأمر مختلف بالنسبة لحصص "صول"، حيث يكتشف المشاركون خبراتهم وينشرونها بعضهم مع بعض. يقول ميترا: "عندما يبني النمل جسرًا، لا تعمل كل نملة بمفردها، بل تتعاون ألف نملة لأجل بنائه".

وفي جلسة أجراها ميترا مع مجموعة مكونة من 15 أستاذًا بجامعة نيوكاسل في بريطانيا (حيث يعمل أستاذًا لتكنولوجيا التعليم)، اكتشف مشكلة على الفور: "فبعد استقبال الأسئلة، أخذ كل من الأساتذة حاسوبه الخاص وشرع يبحث بمفرده". لكنه تعامل مع الوضع بسرعة، إذ جعل كل مجموعة صغيرة تقتصر على استخدام جهاز حاسوب واحد، متبعًا في ذلك المنهج نفسه المستخدم في مختبرات التعلم السحابي في الهند والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، وهكذا تغيرت طريقة عمل المجموعات. يقول ميترا معلقًا: "لقد أدركوا حقيقة أن العمل في مجموعة مكنهم من الحصول على إجابة أكثر دقة وبسرعة أكبر".

الخطوة الخامسة: استثمر في معرفة الآخرين.

إلى جانب استخدام حصص "صول" كتمرين لبناء فريق عمل، يمكنك تخصيص حصة لتدارس الاستعمالات الممكنة لشيء جديد، سواءً كان جهازًا أو برنامجًا أو أداة جديدة. يرى ميترا أن للتمرين استعمالات أخرى ممكنة، كاستعماله في مراكز العناية بالمسنين. ففي إحدى الجلسات بأحد مراكز رعاية المسنين في بريطانيا، أثار المشاركون إعجاب ميترا بمدى مهارتهم في توزيع المهام والاستفادة من نقاط قوة كل فرد من المجموعة. كان السؤال المطروح في الحصة يدور حول تداعيات خروج بريطانيا من الاتحاد الأروبي، ولاحظ ميترا أنه في إحدى المجموعات التي ضمّت امرأة وثلاثة رجال، كانت المرأة تعاني من مرض باركنسون وأخبرت الآخرين قائلةً: "ترتجف يدي كثيرًا ولن أستطيع استخدام الفأرة، لكن يمكنني القراءة جيدًا". وفي منظر أثار دهشة ميترا، تولّى أحد الرجال توجيه الفأرة وقرأت هي بصوت عالٍ، واستطاعوا في النهاية إثراء مناقشة حية تجاوزت الإجابات الاعتيادية.

إنه لأمر غريب كيف تتغير أذهاننا بمرور الوقت، ويبدو أن الحياة تكبح الفضول الجامح الذي ينبع من طفولتنا كما قال ميترا، الذي يضيف قائلًا إن هذه أمور لا تدعو للافتخار، فبالنسبة له سيظل متمسكًا بالأسئلة الكبيرة ليبقى فضوله حيًا، وبالطبع علينا أن نحذو حذوه في ذلك.

عن المؤلفة

كيت تورجوفنيك ماي هي كاتبة من مجتمع TED يمكنها حل مكعب روبيك في أقل من دقيقتين. اكتشف المزيد عن عملها عبر هذا الرابط.