هل سئمت التسويف؟ للتغلب عليه، خذ بعض الوقت لفهمه
بريا ميستري
يقول التربوي نيك فوغ إنّ التسويف ليس أمرًا مخجلاً ولا عيبًا في الشخصية، ولكنه متأصلٌ في حاجة إنسانية بحتة: الحاجة إلى الشعور بالكفاءة والجدارة.
يقول نيك فوغ، المدير الأول المساعد لمركز ماكجرو للتعليم والتعلم بجامعة برينستون في نيو جيرسي، في إطار حلقة TEDxPrinceton الحوارية: "إنها الحادية عشرة صباحًا. أنت في غرفة نومك، ولديك بحث يتعين الانتهاء منه خلال يوم أو نحو ذلك. أنت تجلس على مكتبك، وتفتح حاسوبك الشخصي، وتبدأ العمل، ثم تقول لنفسك (لنتفحص البريد الإلكتروني لدقيقة؛ لندع ذلك قليلاً.) وإذا بك تكون قد قضيت 45 دقيقة في مراجعة الكثير من رسائل البريد الإلكتروني". . "لقد قمت بعمل جيد حقًا، ولكنك الآن تدرك (أتعلم؟ أنا متعب حقًا. أنا مرهق، ولن أستطيع كتابة بحث جيد. ما الذي أحتاجه حقًا؟ أحتاج إلى النوم". ثم تنام - فقط لتستيقظ اليوم التالي لتدور في دوامة تأخيرات وأعذار أخرى.
هل هذا ما تفعله؟ ربما لا يكون بحثًا جامعيًا، وإنما تقرير عمل أو طلب للالتحاق ببرنامج دراسات عليا، أو مراجعة أقران، أو أي عمل آخر مهم أخذت تؤجله حتى داهمك الوقت وكان عليك تقديمه.
ربما وبخت نفسك على هذا السلوك. وتساءلت: "لما أنا كسول / واهن الإرادة / عشوائي / بلا دافع / بلا أمل / وغير ذلك من صفات الانتقاص"؟
حسنًا، لدى فوغ أخبار جيدة لك؛ إذ يقول: "التسويف ليس أمرًا مخجلاً، وليس علامة على الضعف، وليس عيبًا". إنه في الواقع سلوك يمكن التنبؤ به إلى حد كبير؛ إنه أمر يمكن توقعه لو فهمنا ديناميكيات الدافع إليه". وفوغ هو المسؤول عن تطوير برامج الدعم الأكاديمي للطلاب الجامعيين وتصميمها وإدارتها في جامعة برينستون. لذا فقد رأي التسويف بجميع أشكاله، إذ يقر بأنه "أتقن فن التسويف - ألعاب العقل و الأعذار والتبريرات".
وثمة نظريات عديدة حول سبب التسويف؛ ذهب بعضها إلى أنّ التسويف هو عدم القدرة على التأقلم مع المشاعر الصعبة؛ وذهب البعض الآخر إلى أنّه مرتبط بسوء إدارة الوقت وتوخي الكمال. بيْد أنّ فوغ يرى أنّه متجذر في تقديرنا لذاتنا؛ إذ يقول: "الحاجة النفسية الأساسية لدينا هي رغبتنا في أن نرى أنفسنا ويرانا الآخرون على مستوى عالٍ من القدرة والكفاءة والجدارة ... وأن ذلك يدفعنا في الواقع إلى التضحية بالاحتياجات الأخرى أو مقايضتها في سبيل تلبية هذه الحاجة".
لكي نكون واضحين، فإن الحاجة إلى الظهور بمظهر الجدارة أو الاستحقاق ليست المشكلة؛ وإنما المشكلة تكمن في أنّ بعضنا يعتمد بشدة على التعليقات الخارجية - في صورة الدرجات الجيدة أو المديح من الرؤساء أو الوالدين أو الأصهار أو أي شخصيات أخرى ذات حيثية، أو القبول من مؤسسات مرموقة - لبلوغ ذلك الإحساس بالجدارة. يقول فوغ: "لدى الأشخاص الذين يميلون كثيرًا إلى التسويف معادلة بسيطة في أذهانهم: أداؤهم يساوي أو يعادل قدرتهم، وهو ما يساوي أو يعادل قيمتهم الذاتية كأشخاص". أو - كما قال: الأداء = القدرة = القيمة الذاتية. ولذا يكمن سبب ارتعابنا من سوء الأداء في ذلك البحث أو الطلب أو التحليل أو ما إلى ذلك في أنّنا نرى قدرتنا تعتمد عليه - وكذا قيمتنا كأشخاص.
وفي المعادلة الأداء = القدرة = القيمة الذاتية، يكون المتغير الوحيد هو أنّنا نستطيع التحكم في حجم الجهد الذي نبذله في أدائنا؛ إذ وفقًا لفوغ، عندما نسوِّف ونبذل جهدًا أقل، فإننا نقوم بذلك كشكل من أشكال حماية الذات. وبذلك لو حققنا نتيجة سيئة، فهذا لا يعني أننا نفتقر إلى الموهبة أو القدرة أو الجدارة؛ ولكننا كنا منشغلين أو مشتتين للغاية مما حال دون تقديم أفضل ما لدينا.
فكر في اللغط الذي لا بد وأنك سمعته قبل الامتحانات في الثانوية العامة أو الجامعة. يسأل فوغ: "ماذا يقول الناس؟ (ذاكرت ثلاث ساعات فقط.) (ذاكرت ساعتين فقط؛ تعطل حاسوبي.) كل شخص يشرح إلى أي مدى هو غير مستعد. لماذا؟ لأنهم إذا لم يحققوا النتيجة المرجوة، سيكون لديهم عذر مسبق ليس فقط لأنفسهم ولكن للآخرين أيضًا".
أي شخص سبق ومارس التسويف لا بد وأنّه قد جرب ذلك الشعور بالتعثر. يقول فوغ: "يصف معظم الناس التسويف بأنّه يشبه التعثر أمام حائط أو عائق يتعذر تجاوزه". "غالبًا ما نشعر بالاضطراب، وحينئذ لا نستطيع النوم - ولكننا لا نستطيع العمل أيضًا". وفي تلك الأحيان، نجد أنفسنا تتجاذبنا قوتان متكافئتان في القوة والإقناع: الدافع للإنجاز والخوف من الفشل. ونحن لا نتحرر من ذلك التعثر إلا عندما يتغلب خوفنا من عدم الإنجاز على خوفنا من الفشل.
كيف نكسر هذه الدائرة؟ يسلط فوغ الضوء على ثلاث استراتيجيات:
1. أدرك ما تفعل وسبب ما تفعل.
يقول فوغ: "يتبين من الأبحاث التي أجريت حول التسويف وكيفية التغلب عليه أنّ اكتساب المعرفة حول نظرية تقدير الذات وإدراكها في إطار هذه الديناميكيات يساعدان الناس في التغلب على هذه المشكلة". "وإذا تمكنا من فهم جذور التسويف، عندئذ سنتمكن من إضعافها". وربما لا يكون تسويفك نابعًا من كراهيتك أو تخريبك لذاتك، وإنما من حاجتك إلى حمايتها.
اعرف متى تسوّف. في بعض الأحيان يكون الأمر واضحًا؛ ليس ثمة ما يدفعنا إلى القيام بغسيل الملابس قبل استيفاء طلب الإعانة. وفي أحيان أخرى، يكون الأمر أكثر خفيةً، لذا قد تحتاج إلى التحقق بنفسك: "نعم، إزالة الملفات القديمة من سطح مكتب حاسوبي ستوفر لي مساحة عمل أكثر تركيزًا، ولكن هل من الضروري أن أقوم بذلك الآن؟ أم أنني أؤجل استيفاء الطلب فحسب"؟ نصيحةٌ من خبير: إذا وجدت نفسك تسأل إنْ كنت تسوف أم لا، فالأرجح أنك تسوّف.
تعرف على أبرز محطات إضاعة الوقت. لدى معظمنا أنشطة انسحابية نقوم بها عندما نمارس لعبة التأخير. فما هي أنشطتك - تنظيف المنزل، أم القيلولة، أم التسوق، أم قراءة البريد الإلكتروني، أم متابعة Netflix؟ تعلم كيفية التعرف عليها حتى يتسنّى لك وأدها في مهدها؛ أن تقي نفسك من السقوط في حفرة التنظيف / القيلولة / التسوق لهو أسهل بكثير من محاولة الخروج منها. يقول فوغ: "كلما زاد وعينا بميولنا ودوافعنا، كان من الأرجح أن نتغلب عليها".
2. اقلب الموازين.
يتأثر تقدمنا نحو إنجاز أي نشاط بدوافع "الاقتراب" (الأسباب التي تجعلنا نريد القيام بهذا الشيء) ودوافع "التجنب" (الأسباب التي تجعلنا لا نريد القيام بهذا الشيء). بالنسبة للأنشطة التي لا نتردد في القيام بها - لنفترض، تناول شيء لذيذ وصحي - فإننا لا نتردد لأن دوافع "الاقتراب" لدينا تكون أكثر من دوافع "التجنب".
يعتقد الكثير من المسوفين خطأ أن سبب تأجيلهم لمهمة هو أن ثمة سببًا أساسيًا لعدم رغبتهم في القيام بها. يقول فوغ: "لا يكون الأمر كذلك في معظم الأحيان. الأمر ببساطة أن مخاوفهم تهيمن على دوافع (الاقتراب) أو تطغى عليها". عندما تلعب سوليتير بدلاً من إجراء تحليل سوقي تنافسي لرئيسك، فربما يُعزى ذلك إلى دوافع "التجنب" لديك - فإنك تتجنب المشروع لأنك خائف من الفشل - وبذلك تترجح دوافع "التجنب" على دوافع "الاقتراب" لديك.
وعندما يحدث هذا الأمر، فكر في جميع الأسباب التي تجعلك ترغب في القيام بهذا النشاط؛ فربما يكون من الأفضل أن تذكر نفسك إلى أي مدى يسهم القيام بهذا النشاط في تحقيق أهدافك وغاياتك الكبرى. وإذا بدا هذا النشاط كبيرًا أو مخيفًا بشكل خاص، حاول تقسيمه إلى أجزاء يسهل التعامل معها. يوضح فوغ أنّه عندما وجد نفسه يسوف كتابة محاضرة TEDx لأنها بدت مهمة صعبة للغاية ومثبطة للهمم، قرر إنشاء مخطط تفصيلي حتى يتسنّى من كتابة محاضرته قسم تلو الآخر. تحذير: فقط قاوم تحويل هذا المخطط أو قائمة المهام هذه إلى دعوة لمزيد من التسويف.
3. أعد النظر في معتقداتك.
يقول فوغ إنّه علينا تقويض الأفكار التي دفعتنا إلى التسويف في المقام الأول. ويضيف: "المعادلة التي نحملها في رؤوسنا معيبة ... قدرتك ليست مكافئة لقيمتك". "فقيمتنامستمدة من صفاتنا الإنسانية المتمثلة في اللطف والتفكير ومن نقاط ضعفنا".
شاهد محاضرته TEDxPrincetonU الآن: