رهبة التحدث أمام الجمهور: كيف نتغلب عليها؟

12 فبراير 2020

يوجينيا ميلو

يشعر معظمنا بالرهبة من التحدث أمام جمع من الناس. ومن أجل التغلب على هذه الرهبة يتدرّب بعضنا كثيرًا على كيفية التخلص منها، في حين يتحاشى البعض الآخر التحدث أمام الناس نهائيًا. بيد أن عالمة الأعصاب أنويشا بانيرجي لديها اقتراح، وهو: أن نجعل من التحدث أمام الجمهور عادة نألفها.

سيأتي اليوم الذي سنحتاج فيه إلى التحدث أمام جمهور، سواءً كان ذلك في العمل أو المدرسة أو إحدى حفلات الزفاف.

نشعر بالرهبة عند ركوب قطار الملاهي أو قراءة إحدى روايات الرعب للمؤلف الأمريكي ستيفن كينغ مثلًا، وغالبًا ما تكون هذه الرهبة ممزوجة بالمتعة، لكنها تختلف كثيرًا عن تلك الرهبة التي نشعر بها ونحن أمام جمهور يحدق إلينا وينتظر سماع ما سنقوله. الأمر هنا مختلف للغاية، وقليلون هم من يجدون متعة في ذلك.

أنويشا بانيرجي عالمة أعصاب في كلية الطب بجامعة إيموري في مدينة اتلانتا بولاية جورجيا الأمريكية، وتحب مشاهدة أفلام الرعب، مثل فيلم "الشعوذة" (The Conjuring) وفيلم "الخاتم" (The Ring)، غير أنها عبرت عن نفسها خلال مؤتمر "TEDxDecatur Talk" قائلةً: "لا أرغب أبدًا بأن أعيش فيلم رعب في عالم الواقع؛ لكنني للأسف قد عشتُ هذه التجربة منذ ثماني سنوات عندما قدمتُ أول عرض لي أمام الجمهور".

أقلقتها نظرات الجمهور في تلك القاعة المكتظة بالعلماء، واستبد بها شعور بالرهبة لم يختفِ بعد مغادرتها المنصة، بل بقي مرافقًا لها لمدة بعد انتهاء العرض. وبصفتها عالمة أعصاب، وصفت هذا الشعور بالنشاط المفرط للوزة الدماغية، وهي ذلك الجزء في الدماغ المسؤول عن المشاعر والأحاسيس كالخوف وغيره، وأدركت من حينها كيف يمكن لعلم الأعصاب مساعدتنا في مواجهة تلك الرهبة.

دفعتها تجربتها الأولى للتساؤل: "كيف يمكن لرهاب المسرح أن يؤثر سلبًا على كفاءة الأشخاص ويضعف ثقتهم بأنفسهم؟"

بحكم العادة، نقوم نحن البشر بأشياء بمحض إرادتنا ولا نكترث لعواقبها مع أنها ربما تؤدي إلى الموت. وأفضل مثال على ذلك قيادة السيارة. وعلى النقيض من ذلك نرهب الوقوف والتحدث أمام الجمهور مع أن ذلك لن يتسبب في قتلنا أو حتى إيذائنا. تقول أنوشيا: "عندما نقف على المنصة لنتحدث، نشعر وكأننا سنموت".

يتعامل الكثير منا مع هذا الأمر بإحدى طريقتين: إما بتحاشي التحدث أمام الجمهور نهائيًا، وإما بالعمل على التخلص من الرهبة عن طريق الإعداد والتدريب المكثف. لكن أنوشيا بانيرجي توضح موطن الضعف في هذه الطرق قائلةً: "المشكلة مع هذه الطرق هي أنها غير مجدية، ذلك أنها تزيد من شعورنا بالرهبة بدلًا من مساعدتنا في التخلص منه".

ترى أنوشيا أن الصعوبة التي نواجهها في التحدث أمام الجمهور ليست مرتبطة بالرهبة من التحدث في حد ذاتها، بل بطريقتنا في تعميق ذلك الإحساس بالرهبة. كثيرًا ما نُحدث أنفسنا والآخرين بأن الوقوف والتحدث أمام الجمهور أمر يبعث على الرهبة، وأننا يجب أن نتفادى ما قد يصيبنا بهذه الرهبة بأي ثمن. توضح أنوشيا ذلك قائلةً: "عندما نتحدث إلى أنفسنا بهذه الطريقة، فإننا نغذي الدماغ بما يسمى التعزيز السلبي، لأن تقوية الاستجابة السلوكية تتم عن طريق إزالة المحفز السلبي. فإذا اعتبرنا أن الصعود على المنصة والتحدث أمام الجمهور هو المحفز السلبي وأن الرهبة التي نشعر بها هي الاستجابة السلوكية، فهذا يعني أننا نعزز الاستجابة السلوكية عندما نزيل المحفز السلبي. أو بتعبير آخر، كلما تجنبنا التحدث أمام الجمهور تعمق الخوف بداخلنا".

تجيب أنوشيا بأن الحل هو التأقلم مع الرهبة، قائلةً: "الطريقة الوحيدة لتجنب التعزيز السلبي هي أن نعرض أنفسنا للحوافز قدر الإمكان، أي نضع أنفسنا في مواجهة ما يرهبنا إلى أن تتلاشى الرهبة وتتحول إلى أمر عادي".

كيف نفعل ذلك؟ الجواب هو أن نجل الأمر عادة نألفها. قد تبدو الفكرة غريبة، لكن هكذا تعمل أدمغتنا. توضح أنوشيا بانيرجي ذلك قائلةً: "عندما نقوم بشيء ما لأول مرة، ينشَط دماغنا بشكل كبير ليستوعب ما هو جديد، لكن مع الوقت، ومع ممارستنا للسلوك نفسه، ينخفض نشاط الدماغ ويعتاد على الأمر".

وتضيف موضحةً: "نشعر بالرهاب والخوف عندما نتحدث أمام الجمهور لأول مرة. وعند محاولتنا الثانية، يبقى الشعور بالرهبة ملازمًا لنا لكنه يقل بعض الشيء. وعندما نتحدث أمام الجمهور للمرة العشرين مثلًا، يبقى الشعور بالرهبة حاضرًا لكن بدرجات أقل بكثير عن المحاولة الأولى. والآن، وبعد كل تلك التجارب التي خضتُها، كلما صعدتُ منصة للتحدث، يخبرني عقلي: لقد اجتزت هذه الرهبة مرات عديدة، وليس الأمر بجديد!"

لقد جعلت أنوشيا بانيرجي من التحدث أمام الجمهور عادة عن طريق الانضمام لـِمنظمة عالمية غير ربحية تهدف الى تدريب الأفراد على المهارات القيادية ومهارات التحدث امام الجمهور، واستطاعت إلى يومنا هذا التحدث أمام الجماهير لأكثر من 200 مرة. ويكمن سر تكوين متحدثين وقادة ماهرين في تشجيع الأعضاء على "التعلم من خلال الممارسة"، بمعني أن ينهضوا ويتحدثوا أمام الجمهور مُتجاهلين الصوت في دواخلهم الذي يحثهم على تحاشي ذلك. 

ورغم أنها مازالت تشعر برهاب التحدث أما الجمهور— وقد أكدت أنها شعرت به حتى عندما كانت تتحدث في  TEDx Talk— أصبح دماغها قادرًا على تجاهل مشاعر الرهبة والتوتر وصار يركز أكثر على الجمهور وعلى موضوعها. وتوضح هي ذلك قائلةً: "هذا الشعور لن يغادرنا، ولكن الفرق يكمن في أن الدماغ يعتاد عليه".

بماذا تنصحنا أنوشيا؟ التحدث قدر المستطاع. تقول أنوشيا بانيرجي: "المهم هو أن تتحدث أمام مختلف أنواع الجماهير، وفي مقر عملك، وإلى أفراد مجتمعك. تحدث أيضًا أمام عائلتك وأصدقائك، لأنهم سيكونون صادقين معك فيما يخص أداءك".

تضيف أنوشيا قائلةً: "لا تقنع نفسك بأنك تستطيع العيش من دون التحدث أمام الجمهور أو أنك لا تحتاج لذلك، ولا تدع الرهبة تكون مصدر تعزيز سلبي... وإذا جاءك رُهاب التحدث أمام الجمهور، لا تحاول تجاوزه، بل اعتد عليه".

يمكنك مشاهدة محاضرة أنوشيا بانيرجي هنا:

عن المؤلفة

أنويشا بانيرجي هي عالمة مساعدة في مختبر باسيل في قسم بيولوجيا الخلية في كلية الطب بجامعة إيموري في أتلانتا.