تخفيف التوتر والضغط النفسي من خلال تمارين التنفس
من بين أفضل الأشياء التي يمكنك القيام بها عند شعورك بالقلق أو الضغط النفسي هو التركيز على تنفسك. لكن ماذا بوسعنا القيام به عندما تكون حدة القلق أقوى من أن تنفع معه هذه الوسيلة؟ أو عندما يغمرنا القلق لدرجة يستحيل علينا عندها التحكم به؟
أقدّم لك فيما يلي نصيحة بسيطة ستساعدك في تركيز حواسك للتخلص من التوتر والوصول إلى حالة من الهدوء والسكينة.
قبل أن نشرع في الحديث عن النصيحة، لنأخذ لمحة سريعة على التفسير العلمي للقلق والتوتر.
الجزء من قشرة الفص الجبهي للجهاز العصبي البشري المتعلق بالتفكير والتخطيط يسمى بقشرة الجبهة الأمامية الظاهرة، وموقعه عند حواف مقدمة الدماغ. هذا الجزء مهم للذاكرة قصيرة المدى التي تحتوي المعلومات التي يعالجها دماغنا في الوقت الراهن، ونعتمد على هذا الجزء من الدماغ عندما نحاول مثلًا أن نتذكر رقم هاتف أخبرنا به شخص ما عن طريق تكراره قبل إجراء اتصال، أو عندما ندون ملاحظة ذهنية للأشياء التي نحتاج شرائها قبل دخولنا المتجر في غضون دقائق قليلة.
عندما تكون قلقًا حيال شيء ما، يؤدي تفكيرك المستمر إلى استنزاف ذاكرتك العاملة التي تُعرف أيضًا بالذاكرة قصيرة المدى. الأمر مشابه إلى حد كبير لما يحدث للحاسوب عندما تمتلئ ذاكرته العشوائية، أو ما يسمى بـذاكرة الوصول العشوائي (RAM). الحاسوب ذو المساحة الكبيرة بإمكانه تشغيل أكثر من برنامج في الوقت نفسه، لكن بمجرد أن يتم استنزاف الذاكرة إلى حد كبير يتباطأ أداء الجهاز ويبدأ في إظهار إشعارات تنبه بفشل أداء محتمل. وإذا تواصل الاستنزاف تتعطل البرامج وتتوقف عن العمل.
كيف يمكننا تحرير هذه المساحة في عقولنا وجعلها تعمل بفاعلية؟
التمارين التي تبعث على اليقظة قد تساعدنا في إزالة التشتيت من عقولنا وإعادة التركيز، لكن القيام بها قد يكون في غاية الصعوبة أحيانًا. يمكنك تركيز وعيك على أنفاسك أو قدميك مثلًا، لكن إذا كانت ذاكرتك قصيرة المدى مليئة بالأفكار المقلقة فقد لا تكفي هذه المحاولة في مساعدة عقلك وجسمك على الهدوء والاسترخاء.
إليك تمرين يساعدك في إعادة تشغيل ذكرتك العاملة، ألا وهو تمرين "التنفس بخمسة أصابع".
الخطوة رقم 1: ضع إصبع السبابة بإحدى يديك فوق إصبع الخنصر بيدك الأخرى. وفي أثناء الشهيق، مرّر إصبعك السبابة فوق الجزء العلوي من الخنصر، وفي أثناء الزفير، مرره على الجزء الداخلي منه.
الخطوة رقم 2: في الشهيق التالي، تتبع الجزء الخارجي من إصبعك البنصر، وعند الزفير، تتبع الجزء الداخلي من إصبعك البنصر.
الخطوة رقم 3: استنشق الهواء وتتبع الجزء الخارجي من إصبعك الوسطى؛ ثم مع الزفير تتبع الجزء الداخلي من إصبعك الوسطى.
الخطوة رقم 4: استمر على المنوال نفسه إصبعًا بإصبع حتى تنتهي من تتبّع يدك بالكامل.
الخطوة رقم 5: اعكس العملية وتتبع أصابعك ابتداءً من الإبهام رجوعًا إلى الخنصر.
التنفس بخمسة أصابع تمرين رائع؛ لأنه يدمج العديد من حواسك معًا في الوقت نفسه. فأنت تنظر إذ تتحسس أصابعك، وفي الوقت نفسه ينصب تركيزك على تنفسك. وهذا يتطلب الوعي بحواس متعددة كالبصر واللمس، وكذلك الوعي بمواقع مختلفة من جسمك كأصابعك ويديك ورئتيك.
عندما تكون ذاكرتك العاملة منشغلة بإدراك حواس متعددة والشعور بمناطق مختلفة من جسمك، فإنها تدفع الأفكار المقلقة خارج ذاكرتك، ما يعني نسيانها ولو لبضع لحظات، كما أن لحظات التركيز التام هاته تمنح جسمك فرصة للاسترخاء. وحتى إن عادت تلك الأفكار لتشغل وعيك من جديد، فلن يكون لها الوقع نفس على نفسيتك؛ لأن الحمولة العاطفية لم تعد بنفس القوة، ما يجعل من السهل تجاهلها وعدم التفاعل معها.
إذا كان لديك أطفال، أنصحك أن تعلمهم طريقة التنفس بخمسة أصابع. وبالتالي تستطيعون التدرب معًا والقيام بهذا التمرين بشكل جماعي قبل كل وجبة طعام، أو قبل وقت القيلولة، أو قبل النوم، أو خلال أنشطة أخرى تؤدونها بأوقات مختلفة من اليوم.
إذا بدأت تشعر خلال يومك بالتوتر والقلق فخذ بعض الوقت لتعبر عن ذلك، كأن تقول لنفسك: "ينتابني شعور بالقلق"، ثم اطلب مساعدة أطفالك، قائلًا: "هل بإمكانكم مساعدتي على تحقيق بعض الهدوء بإرشادي في تمرين التنفس بخمسة أصابع؟" فهذا سيساعد في ترسيخ هذه الممارسة في سلوكياتهم اليومية.
إن لم يكن لديك أطفال، أو كنت تعيش بمفردك، فلا داعي للقلق. فقط دع الطفل بداخلك يساعدك ويرشدك.
يمكنك مشاهدة محاضرة جودسون بريوير هنا: