كيف تعمل مع فريق متعدد الأجيال؟

11 مايو 2020

جلين هارفي

لأول مرة في التاريخ المعاصر، نجد خمسة أجيال مختلفة تحت مظلة واحدة في مكان العمل.

جيل المحاربين القدامى، أو كما يعرف بالجيل الأعظم في الولايات المتحدة، يضم مواليد الفترة ما بين 1922 و1943. يتميز المنتمون لهذا الجيل بالتضحية واحترام السلطة والعمل الدؤوب.

أتى بعده جيل الطفرة السكانية، ويضمّ المواليد ما بين عامي 1944 و1960. يُعرف هذا الجيل بالعمل الجاد، ويُوصف بالجيل المدمن للعمل، ويتميز بتقديره لروح المنافسة ورغبته الدائمة في تحقيق التواصل الفاعل. وفي الوقت الراهن، يفكر المنتمون لهذا الجيل في التقاعد، وإن كان معظمه قد تقاعد بالفعل.

الجيل إكس(Gen X) ، أو جيل ذوي الآباء والأمهات العاملين (latchkey)، هو الجيل الذي ولد بين 1961 و1980. يُعد من أصغر الأجيال، وهو محصور بين جيل الطفرة السكانية وجيل الألفية، ومعدلات الطلاق فيه هي الأعلى مقارنة بالأجيال الأخرى. هذا الجيل هو أول من ابتكر فكرة التوازن بين الحياة المهنية والشخصية وطالب بتطبيقها في مكان العمل.

بعدها ولد جيل الألفية بين 1981 و2000 في زمن التكنولوجيا. يسعى أبناء هذا الجيل إلى تحقيق أهدافهم وغاياتهم بشكل براغماتي، وهم أيضًا متفائلون، ويعتقدون أن بإمكانهم تغيير العالم. وفي السنوات القليلة الماضية، تمكّن جيل الألفية من التميّز على جيل إكس ليصبح أكثر جيل نشط في سوق العمل بالولايات المتحدة، حيث ينتمي واحد من كل ثلاثة أشخاص عاملين إلى جيل الألفية.

وسرعان ما سينضم لمكان العمل قريبًا الجيل زد (Gen Z)، الذي ولد منذ عام 2000، ويضم المتدربين في العمل أو الذين على وشك التخرّج.

عندما تتصفح الإنترنت، يبدو لك الأمر وكأن ثمّة حربًا مستعرةً بين الأجيال في مكان العمل. ستجد عناوينًا من قبيل "سبعة عشر سببًا يجعل جيل الألفية أسوأ جيل" أو "لماذا أفسد جيل الطفرة السكانية كل شيء؟" أو "سَدُّ الفجوة الكبيرة بين الأجيال".

لكن ماذا لو أخبرتك أنّ هذه الأجيال ربما تكون غير موجودة أصلًا؟ يراودني الشك أنا وعدد من الزملاء الباحثين إزاء هذه التقسيمات بين الأجيال على النحو الذي يتم تصويره؛ إذ ليس من السهل تحديد الجيل الذي ينتمي إليه فرد ما عندما نضع في الحسبان أن كل جيل يمتد لحوالي عشرين سنة. تلك الطريقة في تصنيف الأجيال تجعل الأمر يبدو وكأن الطفل ذو السنة الواحدة لديه من القيم والرغبات والتصورات النمطية ما يتبناه شخص بلغ من العمر عشرين سنة.

إن التصورات والأفكار النمطية عن كل جيل جعلت الناس يتبنون تصرفات معينة في نواحي شتّى، اعتقادًا منهم بأن عليهم الالتزام بمواصفات الجيل المحدد الذي قيل إنهم ينتمون إليه. وأنا أشك في حقيقة هذا الأمر وجدواه.

لسنوات عديدة، تحدثتُ مع أفراد ينتمون لمنظمات مختلفة، واكتشفتُ أن الحديث عن الأجيال قد تحول من موضوع جانبي أو ثانوي إلى موضوع النقاش الأساسي المتداول في مكان العمل. تسعى المنظمات اليوم جاهدةً إلى إيجاد طرق ناجحة لإدارة بيئة العمل متعددة الأجيال. لماذا إذن نستعد لانضمام الشباب ذوي الثالثة والعشرين لمكان عملنا؟

لقد تحدثتُ إلى القائمين على تلك المنظمات وعلمتُ أنهم يبذلون ما في وسعهم لتهيئة بيئة عمل تتيح أمام الجميع الاستقلالية اللازمة للازدهار والإبداع والانسجام في العمل، غير أنني سمعتُ أفكارًا غير صائبة من بعض المنظّمات بخصوص طرق تدبير الفجوة بين الأجيال في مكان العمل. كما تحدثتُ مؤخرًا مع منظمة رفضتْ تخصيص سلة لرمي الكرات في غرفة الاستراحة بدعوى أنها تجذب جيل الألفية.

أعرفُ فتاة تنتمي إلى جيل الألفية أخبروها أنه لن يتم أخذها على محمل الجد كونها من جيل الألفية ما دامت لا ترتدي وسائد الكتف. أجل، كل الذين هم أكبر من هذه الفتاة الحاصلة على شهادتين جامعيتين أو أصغر منها سنًا لن يعيروها الاهتمام الذي تستحقه حتى تلبس وسادات الكتف. تلك الشابة هي أنا! هل هذا هو الحل الأفضل؟ هل وسائد الكتف هو ما يمكّننا من سد الفجوة بين الأجيال في مكان العمل؟

ما تعلمتُه من خلال الحديث مع المنظمات التي توظّف أفرادًا من مختلف الأعمار هو أننا نتشابه أكثر مما نختلف. يريد الناس أن يعملوا في بيئة مرنة يحظون فيها بالدعم والتقدير ويحصلون فيها على فرص أفضل، وهذه المطالب أو الاحتياجات لا ترتبط بجيل معين، مع أن لدى كل جيل ما يميزه من التصرفات والرغبات والمنظورات والقيم المختلفة إزاء الأمور الشخصية خارج إطار العمل.

إن التركيز على تقسيم كفاءات الموظفين بناءً على انتمائهم لأجيال مختلفة قد جعلنا ننسى أن الأفراد هم بشر في الأساس. ولكي نفهم جيدًا كيف يتصرف الناس وطبيعة من نعمل معهم، علينا تطبيق حل يتجاوز مسألة تعدد الأجيال في مكان العمل. لربما أنا واحدة من جيل الألفية، ولربما تبدو فكرتي مثالية، لكنني لا أظن أن تطبيقها صعب المنال.

ماذا لو حاولنا ببساطة فهم الآخرين والتعامل معهم كأفراد مستقلين وليس باعتبارهم نِتاج جيل معين؟ ماذا لو أضفينا الطابع الشخصي على طريقة تعاملنا مع الآخرين؟ أنا شخصيًا لم تسبق لي مقابلة جيل بعينه، لكنني قابلتُ وتحدثتُ إلى أفراد ينتمون لفئات عمرية مختلفة. رأيتُ تصرفات متكررة من أشخاص في الثمانينيات وأخرى مختلفة لأشخاص في العشرينيات، لكن هذا لا يعني أن تصرفات بعينها تنطبق على جيل بأكمله.

تقول نيلوفر ميرشانت، الرائدة في مجال الابتكار، إن علينا فهم فردانية الشخص. عندما نحاول فهم سلوكيات الأشخاص ومشاعرهم كأفراد، سنلاحظ أن تصرفاتهم انعكاس لفردانيتهم وليست تعبيرًا عن جيل معين، لكن هذا يتطلب منا التحلي بالمرونة. فعلى سبيل المثال، ربما نلاحظ أن شخصًا ممن ينتمون لجيل الطفرة السكانية يتصرف بنوع من الحدة والغضب طيلة أوقات العمل، وقد يرجع ذلك إلى الخوف الذي يشعر به بعدما أدرك أنه عمّا قريب ستتم إحالته للتقاعد بعد عمل دام لأكثر من 16 سنة. هذه الفكرة، أعني فكرة التوقف عن العمل، تسبب له شعورًا بالتيه والفراغ. فلم لا نمد ​​يد العون لهذا الخائف من فقدان عمله؟

ماذا عن المرأة التي تنتمي لجيل إكس ولديها أربعة أماكن تزورها يوميًا، ومسؤولة عن أطفال ثلاثة، مع أن لديها يدان اثنان لا ثالث لهما، وتحاول جاهدة الصمود أمام الصعوبات التي تواجهها. لعلها تنعزل في العمل قليلًا، ربما لأنها ترغب في العمل باستقلالية، أو ربما لأنها مرهقة تمامًا.

وماذا عن الذين ينتمون لجيل الألفية ويطلبون الحصول على ترقية لأنهم "يستحقونها" بعد شهرين فقط من العمل؟ لربما يرجع السبب في ذلك إلى أن هذا الجيل يعاني من ديون ما بعد التخرج أكثر من أي جيل سبقه ويحتاج الى المال لدفع الإيجار وتكاليف العيش.

إليك هذا التحدي: اختر شخصًا واحدًا فقط، وجرب أن تفهمه كفرد. حاول أن تدرك حجم القيمة التي يضيفها إلى مكان العمل؛ لأن تلك القيمة هي التي تسهم في إثراء العمل ودعم إنتاجيته. دعنا نكرر ذلك مرارًا حتى نصل إلى عالم خالٍ من التصنيفات المبنية على الأجيال، عالم نعمل فيه مع أفراد وليس مع أجيال.

عن المؤلفة

ليا جورج أستاذة مساعدة في برنامج الدكتوراه بجامعة كريتن (Creighton University) الذي يُعنى بدراسات القيادة متعددة التخصصات. وبصفتها أستاذة في القيادة والبحوث، تستكشف المشكلات الواقعية المعقدة وتبتكر لها حلولًا معتمدة على الدراسات والبيانات. يعرفها طلابها وزملاؤها على أنها أستاذة ومستشارة حائزة على جوائز.