طرق فاعلة لتعزيز الثقة بالنفس عبر تطوير الذات
أفالون نوفو
عانيتُ من انعدام الثقة بالنفس لفترة زمنية طويلة جدًا.
بدت حياتي مثالية في مرحلة الطفولة؛ فقد نشأتُ في منزل تغمره السعادة والطمأنينة، حيث بذل والداي ما بوسعهما لتقديم ما أحتاجه من دعم مادي ومعنوي. كانا يعملان جاهدين لكسب ما يكفي من المال لنعيش حياة سعيدة وآمنة. حينها كانت البهجة تغمرني، لكن شعورًا بعدم الارتياح وأن ثمّة خطبًا ما في حياتي كان يخالجني دائمًا.
اللحظات الصعبة في حياتي جاءت خلال الحفلات. بدت المشاركة في الحفلات بمثابة كابوس بالنسبة لي، كوني الفتاة السمراء الوحيدة التي لا تحسن الرقص. ففي هذه الحفلات التي يقيمها أصدقائي من السود، كنتُ دائمًا محط سخريتهم؛ لأنني لم أستطع مُجاراة الرقصات التي يؤدونها، وجسمي لم يطاوع رغبتي في أداء تلك الحركات.
وعندما كنت أذهب للحفلات المنعقدة في مدرستي التي كان معظم طلابها من البيض، لم يتم اختياري للرقص أبدًا ولم يُعرني أحد أي اهتمام، إذ كنتُ الفتاة السمراء الوحيدة بينهم. وقد سبب لي هذا شعورًا بالإقصاء وعدم الانتماء.
لذا عندما بلغتُ الثانية عشرة من عمري، كان الحل بالنسبة لي حيال هذا الشعور بانعدام الثقة بالنفس هو أن أصبح مثالية. الأمر بسيط، أليس كذلك؟ اعتقدتُ أن المثالية ستمنحني شعورًا بالانتماء، وستجعلني محط اهتمام الجميع، وستفتح لي أبواب السعادة أخيرًا.
وهكذا عقدتُ العزم على تنفيذ هذه الخطة، ومن ثم تلقيتُ دروسًا في الرقص، واجتهدتُ في المدرسة، وحرصتُ قدر طاقتي على أن أظل الصديقة الوفية للآخرين. وكما توقعتُ، ارتفع تقديري الذاتي عندما حصلتُ على درجات عالية في المدرسة وشعرتُ بالاندماج، لكن ما لم أتوقعه هو أن العكس يحدث عندما لا أنال ما أريده. كنتُ أنهار تلقائيًا بمجرد حصولي على درجات متدنية أو تعرضي للتجاهل من قبل الأخرين.
كان يملؤني الأمل دائمًا بأنني سأشعر أخيرًا بقيمتي في هذا العالم إن وجدتُ شخصًا يحبني.
خلال المرحلة الجامعية، كان الانشغال هو الاستراتيجية التي اعتمدتُها لبناء ثقتي بنفسي. كنتُ ألتحق بالفصول الدراسية وكذلك الأنشطة الخصوصية، علاوةً على الانضمام للنوادي والمجموعات كالفرق الموسيقية واتحاد الطلاب السود، ولم أمهل نفسي ولو لحظة واحدة للتنفس أو التفكير أو حتى الشعور بالحياة.
وبعد الجامعة أصبح همي الوحيد هو الارتباط لأجل ملء الفراغ النفسي الذي بداخلي، وقد أرهقتني التقلبات والضغوط النفسية التي قاسيتُها في هذه المرحلة إلى حد كبير. أذكر أنني كنتُ أذهب للنوادي والحفلات، وتمامًا كما حدث لي في المرحلة الإعدادية، لم يعرني أحد أي اهتمام، حتى إنني صرتُ أتساءل بخصوص كل شيء عن نفسي. هل بشرتي السمراء وشعري المجعّد هو ما يجعلني أقل جاذبية؟ وهل سيتقبلني الشريك المحتمل كما أنا بهذه الصفات؟ غير أن الأمل ظل يحدوني دائمًا بأنني سأشعر بقيمتي ومكانتي في هذا العالم إن وجدتُ شخصًا يحبني.
في الحقيقة: لم أنجح في تحقيق غايتي عبر أي من هذه الأساليب.
لا السعي وراء المثالية، ولا الانشغال، ولا حتى العلاقات ساعدتني في الشعور بقيمتي. وإن حدث وشعرتُ بها للوهلة الأولى، فإن ذلك يكون مؤقتًا سرعان ما يزول؛ إذ إنني كلما دخلتُ في علاقة جديدة أو حصلتُ على درجة عالية وشعرتُ بالاستحقاق والقيمة، ما يلبث هذا الشعور أن يتلاشى قبل أن أسعى وراء أمور أخرى أملًا في إحياء ذلك الشعور من جديد؛ ناهيك عن أن ثمة مشكلة بقيت قائمة، وهي أنني بمجرد حصولي على ما أريد يرتفع سقف توقعاتي إلى ما من شأنه أن يجلب لي السعادة. وهكذا بقيتُ في دوامة لا تنتهي.
هل سبق وأن عشتَ تجربة كهذه؟
خضتُ رحلة امتدت لسنوات في العلاج النفسي والنمو الروحي، وحصلتُ على الدكتوراه في علم النفس الإكلينيكي، لأبدأ أخيرًا في تنمية تقديري الذاتي غير المشروط والتخلي عن اعتقادي بأنني "لستُ جيدة بما يكفي". صرتُ الآن أتقبل ذاتي كما هي وأحتضنها بعيوبها، وقد منحني هذا المسار الجديد شعورًا بالتحرر والحيوية والعطاء وحب الحياة.
والآن اسمحوا لي أن اشارك معكم ما تعلمتُه. ولعلكم تظنون أنّ ما سأقوله لكم هو مجرد نصائح حول أهمية تقدير الذات واحترامها.
القيمة الذاتية اللامشروطة هي أن تشعر بأنك تستحق الحياة والمحبة والاهتمام، وأنك جزء مهم من هذا العالم.
أود أن أوضح أن تقدير الذات ليس هو الثقة بالنفس.
نستمد ثقتنا بأنفسنا من قدراتنا وإنجازاتنا ومواقفنا الاجتماعية والأشياء التي نؤمن بها وبمقدورنا تحقيقها وتعزيزها من خلال تنمية مهاراتنا وتعزيز أدائنا، علاوةً على أن ثقتنا بأنفسنا تنخفض وترتفع اعتمادًا على ما نفعله في جوانب مختلفة من حياتنا.
في المقابل، تبقى قيمتنا الذاتية غير المشروطة مستقلة تمامًا عن إنجازاتنا أو قدراتنا. لا تعتمد قيمتك الذاتية على الآخرين أو ما تملكه من مال قليل أو كثير، إذ إن القيمة الذاتية اللامشروطة هي أن تشعر بأنك تستحق الحياة والمحبة وأن تكون محل اهتمام الآخرين.
تحدثتُ مع مئات الطلاب في واحدة من أرقى الجامعات، وعندما تعمقنا في البحث عن أسباب مخاوفهم وجذورها وجدنا أنهم دائمًا يعانون شعورًا بانعدام القيمة والجدارة، وهو في اعتقادي شعور ناجم عن عوامل عديدة تسهم في تكوينه.
تؤثر الإعلانات باستمرار على سلوكنا نحن المستهلكين وتدفعنا لشراء أشياء معينة تجعلنا نشعر بالمحبة أو نحظى بالقبول أو نحقّق النجاح. ونظامنا التعليمي يرسّخ فينا فكرة أن الشعور بالاستحقاق يتأتّى بالدرجات العالية. وربما سمعنا ضمنيًا من آبائنا أن فخرهم بنا مرهون ببقائنا على قائمة الشرف أو ضمن النادي النخبوي بالجامعة. ومنا من تعرض للإيذاء أوالتحرش أو الصدمة في حياته إلى حد أنه أضحى يشك في شخصيته بل وفي حقه في الوجود. ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي التي اكتسحت حياتنا، صرنا نعتقد أن قيمتنا تعتمد بالأساس على ما نحصل عليه من عدد المتابعين أو الإعجابات.
قد يختلف الأمر من شخص لآخر، لكن بالنسبة لمعظمنا ترتبط قيمتنا الذاتية بما نمتلكه وما نحققه من إنجازات. وبمجرد أن نفشل أو نتعرض للرفض، نشعر بتدني قيمة الذات أو انعدامها.
إن القيمة الذاتية اللامشروطة هي الترياق لمشكلة الشعور بانعدام قيمة الذات. إنها الطريقة المثلى للخروج من النقد الذاتي أو السلوكيات السلبية أو الإحساس بالخزي، وهي أيضًا السبيل للانفلات من دوامة الاكتئاب والقلق والإدمان. وقد حان الوقت ليجعل كل منا أساس قيمته الذاتية في كونه إنسانًا، لتبقى هذه القيمة راسخة حتى عندما لا تسير الحياة كما نأمل أو نريد.
ما الذي يمنع الكثيرين من تنمية القيمة الذاتية غير المشروطة؟
يخشى بعض الناس أنهم إذا ما شعروا بالرضا التام عن أنفسهم فلن يبقى لديهم دافع للنمو والتغيير، وقد يشعر آخرون أن اعتبار أنفسهم ذوي قيمة لا مشروطة يبدو شكلًا من أشكال التكبّر، بل وربما يرى البعض أن الشعور اللامشروط بالقيمة والاستحقاق أمر غير ممكن.
كثيرًا ما أتساءل:
كيف سيبدو العالم إن حرصنا جميعًا على تنمية الشعور اللامشروط بالقيمة الذاتية؟
ما الشيء الذي ستتحمس لإنجازه إن عرفت مسبقًا أن لك قيمة ذاتية غير مشروطة؟
إلى أي مدى ستكون أحلامك جريئة إن لم تكن قيمتك الذاتية على المحك؟
ما الأمور التي ستتوقف عنها إن علمت أن قيمتك ليست مرهونة بشيء؟
اعتقادي هو أن الناس سيحلون نزاعاتهم دون عنف، وأن الكثيرين منّا سيحققون إنجازات كبيرة. وإن لم تكن قيمتنا الذاتية على المحك، سيصبح عالمنا أفضل وأكثر أمانًا لنا جميعًا.
إذن كيف يمكننا تحقيق هذه الرؤية؟
تخلّ عمّا لديك من هواجس بشأن طريقة تفكيرك أو شعورك أو مظهرك، وركّز بدلًا من ذلك على الأشياء التي تحبّها وتقدّرها في نفسك.
تذكر أن تنمية القيمة الذاتية غير المشروطة ليست مسألة آنية، بل هي ممارسة دائمة. وفيما يلي سنتطرق إلى أربع خطوات يمكنك من خلالها تنمية شعورك بالقيمة الذاتية من الآن فصاعدًا:
1. سامح نفسك
أحد الأسباب التي تجعل الكثيرين منّا يعانون إذ يكافحون لخلق الشعور بالقيمة والاستحقاق هو أننا ما زلنا غاضبين من أنفسنا جراء أخطاء الماضي. ولأجل أن نسامح أنفسنا على أخطائنا التي ارتكبناها في الماضي، علينا أن نتقبل هذه الأخطاء بصفتها جزءًا من تجربتنا الشخصية؛ فهذا التقبل يحررنا من قبضة الماضي ويجعلنا نتوقف عن تأنيب الضمير ولوم الآخرين ويمهد الطريق للمضي قُدمًا.
2. تعلم قبول ذاتك
يعاني الكثيرون من تدني قيمتهم الذاتية لأنهم يظنون أن ثمة عيبًا فيهم، وبالتالي يرفضون تقبّل ذواتهم كما هي، لا سيما حينما يتلقون نصائح بصفة مستمرة أن يحرصوا على تحسين مظهرهم الخارجي وملبسهم ووظيفتهم لأجل أن يصبحوا مقبولين لدى الناس.
حاول التخلي عمّا لديك من هواجس بشأن تفكيرك ومشاعرك ومظهرك الخارجي، وركز بدلًا من ذلك على الأشياء التي تحبها في نفسك. ومع الوقت ابدأ في تقبّل ما كنت تخجل منه، مثل طريقتك في الضحك أو ابتساماتك المحرجة أو طريقتك الغريبة في التفكير. هذا القبول إقرار منك بأنك ذو قيمة.
إدراكنا بأننا لا نخوض هذا الصراع وحدنا يُذكّرنا بأن تحديات كهذه لا تجعلنا أقل قيمة.
3. كن سلطان نفسك
كثيرون منا يتخلون عن أنفسهم عندما تقسو الحياة عليهم. أحيانًا ما نوجه لأنفسنا انتقادات قاسية لا نجني من ورائها سوى شعور سيء. أكثر ما نحتاجه عندما نمر بأوقات عصيبة هو أن يبث أحدهم كلمات الطمأنينة في نفوسنا، من قبيل: "أعلم جيدًا ما تمر به وما تعانيه، وأنا هنا بجانبك".
بإمكاننا أن نفعل هذا لأنفسنا.
عندما تمر بظروف صعبة في المرة المقبلة، تقبل مشاعرك واعترف بوجودها، ثم امنح ذاتك شعورًا بالأمان. ضع يدك على صدرك وحدث نفسك بأحاديث الراحة والطمأنينة.
4. تواصل مع الأشخاص الداعمين
الشعور بانعدام القيمة يؤدي بنا إلى الوحدة والانعزالية، فعندما نشعر وكأن ثمة خطبًا ما، نشرع في الانفصال عن علاقاتنا شيئًا فشيئًا، وهذا يعمق شعورنا بانعدام تقدير القيمة الذاتية. إن إدراكنا بأننا لا نخوض هذا الصراع وحدنا يذكّرنا بأن تحديات كهذه لا تجعلنا أقل قيمة. ومن شأن التواصل مع الآخرين أن يساعدنا في العودة إلى اعتبار إنسانيتنا مصدرًا لقيمتنا.
شيء أخير، الرحلة نحو بناء التقدير الذاتي غير المشروط ليست بالضرورة رحلة سهلة. الطريق ليس مستقيمًا أو سلسًا، فعلى طول الطريق ستواجه انتكاسات كما واجهتها أنا في تجربتي الشخصية.
يتطلب الأمر كثيرًا من الشجاعة لتحرير نفسك من منظورك المشروط عن قيمتك الذاتية، حيث تكون قيمتك مرهونة بما تملكه أو ما تحققه من إنجازات. ربما تدخل في صراع مع نفسك لتسامحها في آخر المطاف، وقد يكون تقبّلك لعيوب نفسك أمرًا مخيفًا، وربما يكون الوقوف أمام مشاعر الألم وجهًا لوجه أصعب مما تتوقع. حتى التواصل مع الآخرين بحثًا عن الدعم قد يجعلنا نبدو ضعفاء.
لكن الرحلة جميلة وتستحق العناء. من خلالها ستجد مصدر قوتك، وستتعمق في فهم إنسانيتك، وستدرك أن لك قيمة غير مشروطة. أشجّعك، يا عزيزي القارئ، على أن تحتضن نفسك وتعتني بحياتك الجديرة بالعيش.
شعرت بالحرية والحياة.. شعرت بقيمتي الذاتية.
خلال رحلتي هذه، كنت دائمًا أعود إلى حلبة الرقص؛ لأنها المكان الذي بدأتُ فيه كفاحي مع ذاك الشعور بانعدام القيمة الذاتية.
اتضح لي لاحقًا أنني منذ مرحلتي الإعدادية صرتُ أتقن بعض الحركات الجديدة فعلًا.
في إحدى العطلات الصيفية ذهبتُ إلى مهرجان موسيقى الجاز حيث شاهدتُ الناس يرقصون على الإيقاعات وشعرت بتوق شديد لأن أفعل مثلهم. رغبتُ في النهوض والانضمام إليهم، لكن مخاوفي وذكرياتي المؤلمة التي مررتُ بها بسبب حركاتي في الرقص سببت لي نفس الشعور بعدم الثقة بالنفس.
ولكن لحسن الحظ دعاني أحدهم للرقص، فشرعتُ أرقص على أنغام أغنية أو أغنيتين ثم أخذتُ في الرقص منفردة، وتناغمت حركات جسمي مع أنغام الجاز اللاتينية المنبعثة في الأجواء. في تلك اللحظة شعرتُ بالحرية والحيوية والسعادة، وبقيمتي الذاتية.