كيف تكون ألطف مع ذاتك

22 فبراير 2020

يوجينيا ميلو

يميل الأشخاص الذين يتمتعون بمستويات أكبر من التعاطف مع الذات إلى أن يكونوا أكثر همة وأقل كسلاً وأكثر نجاحًا بمرور الوقت. ولكن بنفس القدر من الأهمية، فإنهم يحبون أنفسهم، حتى عندما يفشلون في تحقيق أهدافهم. توضح عالمة النفس سوزان ديفيد كيف يمكنك تنمية هذه الصفة.

من بين الأساطير العظيمة المنتشرة حول التعاطف مع الذات أنّه يعني الكذب على ذاتك؛ أو أنّ تكون ضعيفًا أو كسولاً؛ أو أنّ التعاطف مع الذات يعني تنحية أفكارك السلبية جانبًا، ثم تقول: "سأفكر الآن في خمسة أمور إيجابية".

هذا ليس تعاطفًا مع الذات؛ إذ عندما تكون متعاطفًا مع ذاتك، فإنك في الحقيقة تؤدي لذاتك عملاً غاية في الخصوصية - تلاحظ أفكارك السلبية، وتراقبها، ثم تخلق شعورًا بالأمان النفسي لذاتك.

فضلاً عن ذلك، فإنك تخلق مساحة تشعر فيها بالقدرة على المخاطرة. فإنْ أنت عاقبت نفسك على أيما فشلٍ أو تقصيرٍ تقع فيه، فطبيعي أنْ يمنعك ذلك من تجربة أشياء جديدة واغتنام الفرص. ولكن عندما تكون متعاطفًا مع ذاتك، تدرك أنّك حتى وإنْ فشلت، ستظل تحب ذاتك. وبذلك يعطيك التعاطف مع الذات القدرة على التجربة والاستكشاف والتحلي بالشجاعة.

أثبتت الدراسات البحثية أنّ الأشخاص الذين يتمتعون بمستويات أكبر من التعاطف مع الذات يميلون إلى أن يكونوا أكثر همة وأقل كسلاً وأكثر نجاحًا بمرور الوقت. فهم يظلون مدركين لأخطائهم، ولكن بدلاً من لوم الذات والحكم عليها، يتعلمون من التجربة ويتكيفون مع ما تعلموه ثم يغيرون المسار في المرة المقبلة.

إذن، كيف يمكنك تنمية التعاطف مع الذات؟ ابدأ أولاً بإنهاء حالة الشد والجذب بداخلك. في دراسةٍ بحثيةٍ شملت ما يربو على 70,000 شخصًا، وجدت أنّ ثلث المشتركين تقريبًا حكموا على تجاربهم وعواطفهم بأنها "جيدة" أو "سيئة" أو "إيجابية" أو "سلبية". فعندما تقيّم حياتك بطريقة الأبيض والأسود هذه، فإنك تدخل في حالة داخلية من الشد والجذب - تنتقد ذاتك عندما تشعر بعواطف "سيئة" أو "سلبية" وكذا عندما لا تشعر بعواطف "جيدة" أو "إيجابية".

ولإنهاء حالة الشد والجذب هذه، فما عليك إلا أن تسقط الحبل؛ إذ عندما نواجه عاطفة صعبة مثل الحزن أو الإحباط، فإن معظمنا يستجيب لها بالقول: "هذا أمر سيء؛ ما كان علي أن أشعر بذلك. لما لا يمكنني أن أكون إيجابيًا أكثر"؟! ثم نستتبع هذا الحكم بمزيد من الأحكام - نعنف أنفسنا لعدم التحلي بالتعاطف مع الذات. حاول أن تقول لذاتك في المرة القادمة "أشعر بالحزن. ما دلالة هذا الحزن؟ ما الأمر المهم الذي يدلني عليه؟ ما الدرس المستفاد منه"؟

تعامل مع عواطفك وأفكارك السلبية كما البيانات؛ إذ يمكنها تزويدك بمعلومات قيمة حول كنهك وحقيقة ما يهمك. كما يسمح لك التعاطف مع الذات بالاعتراف بكل مشاعرك وقبولها، حتى عندما تكون سلبية. فعلى سبيل المثال، قد تلاحظ أنك تشعر بالإحباط حقًا في العمل. عندئذ اسأل نفسك: "ما دلالة هذا الإحباط؟ ما الأمر المهم الذي يدلني عليه"؟

بالنسبة لشخصٍ ما، ربما يدل الإحباط على أنّ صوته غير مسموع، وبالنسبة لشخص آخر، فربما يدل ذلك الإحباط على أنّه لا يرتقي في عمله. ومن خلال دراسة عواطفك غير المريحة، ستحقق فهمًا أكبر حول ذاتك وستعزز فضولك بشأن كنهك كإنسان.

عندما تشعر بالفضول حيال تجاربك، تكون قد قطعت نصف الطريق نحو بلوغ التعاطف مع الذات؛ لأنك في هذا الحالة لا تحكم على ذاتك ولا على عواطفك، وإنما تدرسها وتتعلم منها. كما يمكنك استخدام هذه العملية لتكون أكثر حكمة فيما تتخذه من إجراءات. استتبع ملاحظاتك بأن تطرح على نفسك سؤالاً: "ماذا يمكنني أن أفعل في هذه الحالة التي من شأنها أن تخدمني وتخدم قيمي وأهدافي بصورة أفضل؟

إذا وجدت نفسك تعاني لتكون متعاطفًا مع ذاتك، فلا تعاقب نفسك؛ عندما تواجه يومًا تفتقد فيه التعاطف مع الذات، فمن المهم حقًا ألا تنتقد نفسك، وإنما ينبغي لك أن تنظر لنفسك من زاويةٍ أخرى، فهناك طفل يعيش بداخل كل واحدٍ منا.

تخيل أن طفلاً أتى إليك وقال: "لا أحد يريد أن يكون معي" أو "أنا حزين" أو "حاولت أن أجيد في هذا المشروع ولكنني لم أنجح"، فهل ستعاقبه؟ بالطبع لا؛ ولكنك ستضمه وتحبه وتصغي إليه وتحس به. أحيانًا عندما تفتقد التعاطف مع ذات، فيمكنك أن تعالج ذلك بالتواصل مع الطفل الذي بداخلك ومعرفة ما يحتاجه. لذا عندما تعاني في الوصول إلى حالة التعاطف مع الذات، اسأل نفسك: "أرى أنني أشعر بالعاطفة (س). فما الذي يحتاجه الطفل الذي بداخلي الآن"؟

في النهاية، يتعلق التعاطف مع الذات بحقيقة ما يعنيه أن تكون إنسانًا. وذلك أنّ الانزعاج والتوتر والإحباط والخسارة والألم كلها جزءٌ من رحلة الإنسان. فإذا لم نتمكن من الدخول في مساحة من اللطف مع أنفسنا، فإننا سنضع أنفسنا في صدامٍ مع واقع الحياة. كما أنّ الإنسان غير كامل، واقتراف الأخطاء سمة أساسية من سمات البشر. ومن ثم، فإن التعاطف مع الذات يُعد جزءًا ضروريًا من رحلتنا؛ فهو يعني إدراك أنك تفعل ما بوسعك - إزاء كنهك وإزاء ما حققته وإزاء ما لديك من موارد.

عن المؤلفة

سوزان ديفيد عالمة نفس في كلية الطب بجامعة هارفارد، وهي مؤسس مشارك ومدير مشارك لمعهد التدريب في مستشفى ماكلين، والرئيس التنفيذي لشركة Evidence Based Psychology، وهي شركة استشارية للأعمال التجارية.