كيف تتجنب الانهيار تحت وطأة الضغوط
جوردن عوان
تقول سيان ليا بيلوك، اختصاصية علم النفس الإدراكي، إن الإعداد المسبق والتحضير الصحيح يساعدنا في تجنب التعثر في المواقف المشحونة بالضغوط والتوتر.
"لقد انهاروا تحت الضغوط."
ربما تكون هذه العبارة من أكثر الأشياء المهينة التي يمكن أن نصف بها أي شخص، مع أن أغلبنا قد تعرض للانهيار تحت الضغوط في لحظة ما من حياتنا، سواءً كان ذلك في أثناء اختبار أو لعبة أو حديث أو حتى مكالمة مبيعات، أو أي موقف آخر اشتمل على بعض أو كثير من الضغط النفسي.
إنني أعرف ذلك الشعور جيدًا، وسأحكي لكم عن تجربة لي عندما كنتُ أمارس الرياضة بكل حماس واندفاع في مقتبل عمري. كانت كرة القدم هي رياضتي المفضلة، وكنتُ آنذاك ألعب حارسة للمرمى، ما يعد أفضل وأسوأ موقع بالملعب في الآن نفسه؛ ذلك لأن معظم الانتباه يظل منصبًا عليك، وهذا يسبب ضغطًا نفسيًا كبيرًا لدى حارس المرمى. أتذكر بالخصوص مباراة لي في المدرسة الثانوية، حيث كنتُ ألعب مع فريق ولاية كاليفورنيا ضمن برنامج التطوير الأولمبي. كنتُ منهمكة حقًا في جو المباراة، وكان أدائي في الملعب رائعًا، واستمر الوضع على ذلك إلى أن أدركتُ أن المدرب الوطني كان يقف خلفي مباشرة. في تلك اللحظة تغير كل شيء، وتحولتُ من اللعب بأعلى قدراتي إلى تقديم أضعف أداء لي في الملعب؛ فنظراته التي كانت تقيّم أدائي جعلتني أشعر بالاختناق والانهيار، ما أدى إلى خسارة فريقي ومغادرة مدرب الفريق الوطني.
تجربتي في الملعب وفي أمور أخرى من حياتي دفعتني إلى الغوص في مجال العلوم الإدراكية. أردتُ أن أعرف كيف يمكن أن يساعد فهمنا لطريقة عمل الدماغ في اكتساب الكفاءات المستعملة في علم النفس لأجل تقديم أداء أفضل.
إضافة إلى ذلك، أردتُ معرفة سبب فشلنا أحيانًا في إظهار قدراتنا الكاملة عندما نكون تحت الضغط. قد لا تتفاجأ إذا أدركت أننا في المواقف العصيبة نشعر بالقلق إزاء كل شيء تقريبًا — إزاء الموقف نفسه وعواقبه المحتملة وأراء الآخرين تجاهنا.
لكن ما قد يفاجئك هو أننا نثبط أنفسنا بأنفسنا، لأن قلقنا هذا يجعلنا ندقق ونركز في الأمور أكثر من اللازم، أي نشعر بالقلق حيال إظهار قدراتنا، ونحرص على تقديم أفضل ما لدينا والتحكم في كل شيء غير مدركين لحقيقة أن هناك أمورًا يجب أن تسير وتعمل من تلقاء نفسها دون أن نعيرها تركيزنا، وهذا الحرص الشديد منّا يؤدي في الغالب إلى الاخفاق.
قمتُ أنا وفريقي البحثي بدراسة ظاهرة فرط الانتباه التي نسميها "العجز نتيجة المبالغة في التحليل". في إحدى الدراسات، طلبنا من لاعبي كرة القدم تنطيط الكرة والتركيز على جانب من أدائهم لا ينتبهون له في العادة، إذ طلبنا منهم التركيز خصوصًا على الجانب من قدمهم الذي يلامس الكرة. وكانت النتيجة مثيرة: فبعدما لفتنا انتباههم إلى تفاصيل ما كانوا يفعلونه خطوة بخطوة، أصبح أداؤهم أبطأ وزادت نسبة ارتكابهم للأخطاء. يعود هذا العجز الناتج عن التحليل إلى نشاط في قشرة الفص الجبهي في مقدمة الدماغ الموجود في منطقة ما فوق العينين. هذا الجزء يساعدنا في التركيز على الأمور الإيجابية، إلا أنه في معظم الوقت يميل إلى التركيز على الأمور الخاطئة.
في رياضة كرة السلة، يُطلق لقب "صاحب اللاوعي" على اللاعب الذي يسدد دون أن يضيع أي فرصة، لأنه يندمج كليًا مع التجربة دون الانشغال بالتحليل والتفكير. وكما قال تيم دنكان، لاعب كرة السلة في الدوري الأمريكي للمحترفين: "بمجرد أن تتوقف لتفكر في خطوتك القادمة فأنت بذلك تفسد كل شيء". وبالمثل، اعتاد مصمم الرقصات جورج بالانشين على حث الراقصين قائلًا: "لا تفكروا، فقط ارقصوا"؛ لأننا تحت الضغوط نحاول التحكم في كل ما نفعله بطريقة تؤثر على أدائنا سلبيًا.
كيف نحرر عقولنا من هذا؟
يمكننا التعامل مع الأمر عن طريق إعادة توجيه انتباهنا إلى فعل شيء بسيط كالغناء، أو التركيز على إصبع القدم الخنصر كما كان يفعل لاعب الجولف المحترف جاك نيكلوس حسب ما رواه البعض، أو يمكننا الانشغال بأمور مُلهية أخرى تساعدنا في صرف أذهاننا عن التركيز على تفاصيل ما نحاول تأديته.
هناك استراتيجية أخرى تتطلب دمج التدريب مع المنافسة لنصبح معتادين على عنصر الضغط في أثناء أدائنا الفعلي.هذا يعني أن نتدرب في ظروف مشابهة للظروف التي نعلم أننا سنؤدي فيها مستقبلًا. فسواءً كنا نستعد لامتحان أو محادثة، يمكننا أن نهيئ ظروفًا تحاكي الظروف المجهدة التي سنجتازها مستقبلًا.
على سبيل المثال، في أثناء استعدادك لامتحان ما، أغلق الكتاب الذي تدرسه وتدرّب على استرجاع المعلومات من ذاكرتك في فترة زمنية محددة. وإذا كنت تستعد لإلقاء كلمة، تدرب عدة مرات على ذلك أمام الآخرين. وفي حال لم تجد شخصًا ليشاهد أداءك، يمكنك التدرب أمام كاميرا الفيديو أو المرآة؛ لأن تعودك على ما يمكن أن تختبره في الوضع الفعلي من شأنه أن يحدث فارقًا كبيرًا في تحديد ما إذا كنت ستتألق في أدائك أم ستنهار تحت وطأة الضغوط.
علاوة على ذلك، يمكنك اتخاذ بعض الخطوات للتخلص من الشكوك والأفكار السلبية التي تتسلل إلى نفسك في المواقف العصيبة وربما تؤدي بك إلى العجز نتيجة المبالغة في التحليل. فقد اكتشف الباحثون أن مجرد كتابة مخاوفنا وأفكارنا قبل الحدث المُجهد يساعد كثيرًا في إزالة المخاوف من عقولنا، لأن كتابة المخاوف على مذكرتك الورقية أو هاتفك الذكي يقلل من احتمالية ظهورها في اللحظات المهمة.
لنتحدث الآن عن تجربة أخرى خضتُها في أول سنة لي بالجامعة. كنتُ أدرس الكيمياء على الرغم من أنني لم أشعر بأنني أنتمي للتخصصات العلمية. درستُ ودخلتُ أول امتحان لي في الفصل الأول من السنة، ولا أنكر أنني فشلتُ فيه فشلًا ذريعًا! فقد حصلتُ على أسوأ درجة يمكن الحصول عليها في فصل يضم 400 طالب. أوصلني هذا إلى قناعة بأنني لا أنتمي للتخصصات العلمية، وصرتُ أفكر في ترك الكلية تمامًا.
لكنني لم أفعل ذلك، بل غيرت طريقتي في الدراسة. فبدلًا من المراجعة بشكل انفرادي، صرتُ أراجع مع مجموعة من الأصدقاء الذين اعتادوا إغلاق الكتب بعد كل حصة مراجعة والتنافس على إعطاء الإجابات الصحيحة لكل سؤال. كنا نتعلم ضمنيًا كيفية التدرب تحت الضغوط من خلال دمج التدريب مع المنافسة.
ونتيجة لذلك، أصبح ذهني هادئًا جدًا يوم الامتحان، وهذا مكنني من الحصول على أعلى درجة في الفصل كله. توضح لنا هذه التجربة وغيرها أن الأداء الجيد لا يتعلق فقط باكتساب المعرفة ومراكمة المعلومات، بل يتعلق أيضًا بالقدرة على تجاوز المعيقات النفسية عندما تكون الحاجة ملحة لذلك.
يمكنك مشاهدة محاضرة سيان ليا بيلوك هنا: