هكذا بدأتُ أخيرًا في ممارسة الرياضة

2 نوفمبر 2020

أفالون نوفو

عندما تلقينا أمر الحجر الصحي المنزلي في مارس 2020، وكوني أعيش في ولاية كاليفورنيا الأمريكية، شعرتُفورًا بأن هذه فرصتي الذهبية لتحسين نمط حياتي.

كتبت لنفسي: "ينبغي أن أسعد بفكرة كوني متفرّغة، وأن أستغل هذه الفرصة لتنمية عادات يومية جديدة تجلب السعادة".

والآن، بعد مرور أشهر عديدة، يبدو لي الأمر مضحكًا؛ إذ إن عاداتي الروتينية أخذت تختفي وتتلاشى بسرعة كبيرة بعد ظهور الجائحة، لدرجة أنني أحيانًا أقضي يومًا كاملًا دون أن أستحم أو أُغير ملابسي أو حتى أغسل أسناني!

اعتدتُ تدريب الناس ومساعدتهم على اكتساب عادات جديدة عبر طرق فاعلة مبنية على أسس علمية، غير أن الالتزام بهذه العادات خلال الحجر الصحي كان أمرًا صعبًا بالنسبة لي؛ فخلال الأشهر الأولى من الجائحة لم أتمكّن من اتباع النصائح التي كنتُ أسديها لغيري.

السبب في ذلك حسب اعتقادي هو أنني اعتدتُ دائمًا أن أضع نصب عيني أهدافًا كبيرة، ومن ثم لم أشعر بالاكتفاء عندما حاولتُ وضع أهداف صغيرة واتباع عادات سهلة.

لنأخذ ممارسة الرياضة على سبيل المثال.

عندما بدأت الجائحة ظننتُ أنني سأعود لممارسة الجري في الهواء الطلق. قررتُ أن أتدرّب لأشارك في سباق نصف ماراثون، وخصصتُ أسبوعًا كاملًا لتجهيز خطة تدريب يومية محكمة ودقيقة؛ لكنني لم ألتزم بهذه الخطة سوى لأسابيع قليلة، ما أدى إلى فشلي في ممارسة الرياضة.

لم أذهب لممارسة تدريبات الجري على الرغم من معرفتي بأهميتها وتأثيرها الإيجابي على صحتي، وأنها تخفض معدل الإصابة بأمراض القلب إلى النصف، وتحد بشكل كبير من الإصابة بداء السكري والسرطان، ناهيك عن أهميتها في خفض مستوى القلق والاكتئاب، وفي تحسين الذاكرة، وجعل أدمغتنا أكثر كفاءة وقوة.

إذن، لماذا لم أتمرّن رغم معرفتي بهذه الفوائد كلها؟

إن قدرتنا على اتباع نوايانا والالتزام بقراراتنا، كاتباع عادة جديدة أو تغيير سلوك ما، لا تقتصر على الأسباب التي تدفعنا لفعلها أو مدى إيماننا بأهميتها، أو فهمنا لأهمية سلوك معين، أو قوتنا أو عزيمتنا.

بل تعتمد على استعدادنا لأن نتقبل الفشل في البداية.

أمقت الخسارة وأكره الفشل، وأحبُ أن أكون جيدة وناجحة في كل شيء أفعله؛ لذا لم أكن مستعدة لقبول فكرة أن أفشل عندما أشرع في ممارسة الرياضة.

إليكم السبب الذي يجعلنا بحاجة لتقبل الإخفاق في البداية. ينبغي أن تكون جهودك ودوافعك متكافئة لتكون جيدًا في أمر ما؛ أو بعبارة أخرى، كلما كان القيام بشيء ما صعبًا، احتجنا مزيدًا من التحفيز للقيام به. والحافز بالنسبة لمعظمنا ليس أمرًا يمكن التحكم فيه، بل يبقى خارجًا عن سيطرتنا. أحيانًا ما نشعر بحافز قوي يدفعنا لأداء مهامنا، وأحيانًا أخرى يغيب ذلك الحافز تمامًا. وهناك أبحاث علمية عديدة ترى أن البشر يميلون تلقائيًا إلى القيام بالأمور السهلة عندما يغيب الحافز.

تتطلب السلوكيات الجديدة جهدًا كبيرًا؛ لأن التغيير صعب وقد يتطلب حافزًا قويًا ليس في متناول الجميع، ولذلك كثيرًا ما نخفق في إنجاز الأمور التي ننوي أو نخطط للقيام بها.

لأجل إنشاء روتين يومي للتمارين، كنتُ بحاجة لأن أسمح لنفسي بالتمرن بشكل سيء كوني مبتدئة، وأن أتوقف عن محاولة التمرن كرياضية محترفة. 

شرعتُ في ممارسة الرياضة مجددًا من خلال الجري لمدة دقيقة واحدة فقط يوميًا. أجل، خصصتُ 60 ثانية فقط يوميًا للجري. كنتُ في كل صباح أخرج من المنزل بعدما أنظف أسناني وأغير ملابسي وهدفي الوحيد هو الجري لمدة دقيقة واحدة فقط.

والآن صرتُ أجري لمدة 15 الى 20 دقيقة يوميًا. وعندما أنشغل أو أعجز عن أداء التمرين لغياب الحافز، أكتفي بالجري لمدة دقيقة واحدة فقط؛ فتلك المدة لها تأثير كبير للغاية على الرغم من أنها قصيرة.

ربما مررت بالتجربة نفسها، وربما فشلت في محاولتك لتغيير نفسك للأفضل، أو لعلك أردت أن تحد من استعمالك للمنتوجات البلاستيكية المضرة للبيئة، أو أن تبدأ في ممارسة التأمل، أو أن تكون مناهضًا للعنصرية بشكل فاعل، أو أن تكتب كتابًا أو تُكوّن عادات أكل صحية.

لدي خبر سار، يمكنك إنجاز هذه الأشياء كلها إن بدأت الآن!

الشرط الوحيد هو ألا تسعى وراء المثالية أو أن تحاول تقديم "أداء احترافي" في أي شيء تنوي البدء في ممارسته؛ ينبغي أن تتخلى عن خططك الكبرى، على الأقل في البداية. ابدأ مشوارك بإنجاز شيء بسيط جدًا، لكنه مهما كانت بساطته أفضل من عدم القيام بأي شيء على الإطلاق.

اسأل نفسك: كيف يمكنك اختزال وتحويل ما تنوي فعله إلى شيء بسيط وسهل يمكنك إنجازه يوميًا بأقل مجهود؟ على سبيل المثال، إن كان هدفك الأساسي هو أن تتناول مزيدًا من الخضراوات، فابدأ بإضافة ورقة خس واحدة إلى طبقك يوميًا.

هذه فقط البداية، ومع مرور الوقت يمكنك إضافة المزيد، فالقيام بالأمور السهلة ليس الهدف النهائي. المهم هو أن تبدأ شيئًا سهلًا لا يؤثر على صيرورة يومك.

إن القيام بالأشياء السهلة والبسيطة أفضل من عدم القيام بشيء. فالتأمل لدقيقة فقط سيبث فيك شعورًا بالراحة والاسترخاء، وورقة الخس تحوي مكونات صحية عديدة ومفيدة لجسمك، والمشي لمدة دقيقة واحدة له فوائد عديدة كالحفاظ على سلامة الجسم وتحسين اللياقة البدنية.

البدء في تغير سلوك واحد أفضل من لا شيء. ابدأ بالممارسة، وركّز على التكرار بدلًا من محاولة إنجاز أهدافك الكبيرة.

اسمح لنفسك أن تقدم أداءً متواضعًا في كل ما تحاول القيام به؛ المهم هو أن تفعل ذلك بصفة يومية.

اخط ولو خطوة واحدة، فالمهم هو الاستمرارية.

إن كانت عادة "القليل أفضل من لا شيء" لا تبدو لك أفضل، تذكر أنك على الأقل شرعت في شيء ما، وأن الصعوبة غالبًا تكمن في البداية. 

عندما تستهل ممارسة سلوك ما، فإنك تنشئ مسارات عصبية في دماغك لهذه العادة الجديدة. وهذا يزيد من فرص نجاحك في تحقيق هدفك النهائي؛ لأن دماغك عندما يتأقلم مع العادة الجديدة سيجعلك قادرًا على ممارستها بدون الحاجة للتفكير، والأهم من ذلك، بدون الحاجة إلى الحافز أو الجهد.

قاعدة "أفضل من لا شيء" تسهّل عليك تكرار الأشياء حتى تتعود عليها. يمكنك فعلها حتى عندما تكون متعبًا أو مشغولًا أو حتى عند غياب الحافز. وبمجرد أن تصبح العادة تلقائية ومبرمجة في دماغك، يحين الوقت ساعتها لتوسيع رؤيتك ووضع أهداف أكبر. 

بعد الجري دقيقة واحدة لعدة أيام، بدأتُ أشعر بالرغبة في الاستمرار بالجري، ليس لأنني أردتُ أن أتدرب أكثر، أو أن أثير إعجاب الناس من حولي، بل لأن الرغبة الطبيعية في متابعة الجري حلت محل الرغبة الملحة في التوقف.

والذين يحرصون على التميّز من أول وهلة قد يجدون صعوبة في الالتزام بقاعدة "القليل أفضل من لا شيء". إن كنت من ضمن هؤلاء الذين يضعون أهدافًا كبيرة من البداية، فعليك أن تتقبل الأشياء الصغيرة في البداية حتى لا تضيّع على نفسك فرصًا لتحقيق هدفك النهائي.

يزداد الأمر صعوبة حين تضع أهدافًا أكبر. وعندما تفعل ذلك تضيّع فرصة الاستمتاع بتلك الأمور ولن يكون فعلها سهلًا. وحتى إن حاولت، سيتطلب ذلك حافزًا كبيرًا. وعندما يغيب الحافز، ستنشغل بأشياء من قبيل العبث بهاتفك أو إطالة الجلوس على الأريكة لساعات ومشاهدة مقاطع فيديو على "تيك توك" أو أفلام على "نتفليكس"، أو أي شيء آخر لا لغرض إلا لتتجنب إنجاز تلك الأشياء التي أضحت صعبة. 

إن قيمة قاعدة "القليل أفضل من لا شيء" تكمن في كونها لا تعتمد على الحافز، ولا تستوجب كثيرًا من الطاقة أو الجهد، ولا تتطلب منك أن تكون محترفًا. كل ما تحتاجه هو الشروع في الخطوات الصغيرة التي في البداية، وأن تبقى على قناعة بأن هذه الخطوات الصغيرة أفضل من لا شيء.

أنا سعيدة جدًا؛ فبعد شهور من الكفاح أصبحتُ الآن عداءة بامتياز، لأنني سمحت لنفسي أن أكون سيئة في البداية. لم أكن أطمح حين بدأتُ في أن أصبح عداءة محترفة، بل كان تركيزي كله منصبًا على الاستمرارية فحسب.

وكما قال الدالاي لاما: هدفنا ليس في أن نكون أفضل من الآخرين، بل أن نتفوق على ذواتنا السابقة، ولقد فعلتُ ذلك!إذا أردت أن تصبح نسخة أفضل من ذاتك، عليك أن تبدأ بالأشياء الصغيرة التي تتراكم لتخلق أشياء كبيرة. وعندما نفعل العكس، نصعّب على أنفسنا كل شيء. إن الخطوات الصغيرة السهلة تقودنا إلى أهداف أكبر في المستقبل وتمهد الطريق إليها لنتمكن في نهاية المطاف من تحقيقها.

عن المؤلفة

كريستين كارتر كاتبة ومتحدثة ومدربة وعالمة اجتماع، وزميل أول في "مركز العلوم للصالح العام" (Greater Good Science Center) بولاية كاليفورنيا. ألّفت كتبًا عديدة، من بينها: "المراهقة الحديثة: التربية السعيدة والناجحة للمراهقين في عصر القلق والإلهاء المتواصل"، و"المكان المناسب: كيف تحقق مزيدًا من النجاح بمجهود أقل"، و"تحقيق السعادة:10  خطوات بسيطة ليكون الأطفال أكثر فرحًا والوالدان أكثر سعادة".