معرض صور: نظرة خاصة إلى عائلتين سوريتين لاجئتين
الحياة - والحب - في غياهب النسيان، كما يتجلى في هذه الصور الجميلة والمؤثرة التي التقطها المصور جايلز ديولي.
كرس المصورجايلز ديولي (حوار TEDxExeter: قوة قصة "The power of a story") جهوده لتوثيق ما ينطوي عليه الصراع من آثار طويلة الأجل على المدنيين من خلال مشروعه ميراث الحرب "Legacy of War". قبل بضع سنوات، شرعت وكالة الأمم المتحدة للاجئين، بالشراكة مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، في تغطية العائلات النازحة، مع التركيز بخاصة على اللاجئين السوريين. وبينما كان ديولي يقضي بعض الوقت في تصوير رحلة عبور معظم اللاجئين من الشرق الأوسط إلى أوروبا، قرر أنه يريد أيضًا تسليط الضوء على الحياة التي لم تنل حظًا وفيرًا من التوثيق لمن يعيشون في المخيمات والمستوطنات في لبنان والأردن؛ إذ يقول: "إنّ الأمر الصعب حقًا على اللاجئين هو مرور أيام وشهور وسنوات من الإهمال دون أن يتغير شيء". "وهذا ما أهتم به حقًا لأنه يصور واقع ما يعيشون فيه".
قام ديولي، المولود في لندن، بزيارة المستوطنات في شتاء عام 2016، والتقط صورًا خاصة لبعض عائلات اللاجئين. وقد اختار موضوعات التصوير بنفس طريقة اختياره لأصدقائه - الانخراط بشكل مباشر مع من يقابله - وهكذا أصبح هؤلاء السوريون بمثابة أصدقاء له. يقول: "أملي الوحيد هو أن يراهم المشاهدون كعائلات وكأفراد لديهم نفس الآمال والأحلام مثل أي واحد منا". وهنا يشاركنا ديولي قصص عائلتين من عائلات اللاجئين السوريين.
افتراش التفاؤل والإيمان
في العام 2012، أصيبت خلود (هنا مع ابنتها آية) برصاص قناص بينما كانت تتجه إلى حديقة منزلها في معضمية الشام، وهي مدينة تقع جنوب دمشق مباشرةً. وعلى إثر هذه الحادثة أصيبت خلود بالشلل من أسفل الرقبة، وقد أعطاها الأطباء فرصة ضئيلة للبقاء على قيد الحياة، إلا أنها تلقت العلاج في دمشق، ولكن مع تصاعد خطورة الموقف في سوريا، انتقلت هي وعائلتها - زوجها جمال وأطفالهم الأربعة - إلى لبنان. ومنذ ذلك الحين وهم يعيشون في مأوى مؤقت في مستوطنة غير رسمية للاجئين في سهل البقاع، وهو عبارة عن مسكن مصنوع من الخشب ومادة أشبه بالكرتون، ويتألف من مطبخ وغرفة نوم، على أنّه لا يحوي أي مصدر للتهوية أو التدفئة في سهل قد يصل فيه برد الشتاء إلى حد تساقط الثلوج. ونظرًا لشللها السفلي، لا تقوى خلود على مبارحة الفراش، وهي حالة يمكن لديولي تشاعرها، لا سيما وأنّه قد فقد ذراعه اليسرى وكلتا ساقيه بعد أن ضربته عبوة ناسفة في أفغانستان في العام 2011. يقول المصور: "برغم حالة خلود، فإنها أكثر شخص إيجابي أعرفه". "إنها مرحة وإيثارية ولديها إيمان بأنّ كل شيء يحدث لها إنما هو خير".
الحب في مواجهة الشدائد
رغم أن معظم المصابين بالشلل السفلي يحتاجون إلى دعمٍ طبي طوال الوقت، فإن خلود ليس لديها مقدم رعاية سوى زوجها جمال. وعلى عكس العديد من المستوطنات غير الرسمية، فإن مستوطنتهم تضم مدرسة يقضي فيها أطفال العائلة يومهم. ونادرًا ما يغادر جمال جوار خلود، لأنه لا يريدها تبقى وحيدة؛ وعندما يكون في المطبخ - وهو "طاهٍ رائع" حسب وصف ديولي - فإنه يتردد على زوجته بملاعق الطعام لتتذوقه وهي في فراشها. وأحيانًا كانت تخبره بأن الطعام يحتاج المزيد من الملح أو الفلفل، ولكن بعد أن يغادر، كانت تغمز إلى ديولي قائلة: "أنا فقط أتأكد من أنه لم يدرك بعد أن الطعام مثالي". يقول المصور إنّ هذا التفاعل يُعد مثالاً رائعًا على المودة والفكاهة الموجودتين بين الزوج وزوجته.
قوة العائلة
يقول جايلز إنّه عندما يحين وقت الطعام، فإنّ "الجميع يساعدون خلود دائمًا على تناوله في أجواء تتردد فيها دائمًا أصداء الضحكات". وبرغم ترابط الأسرة، أحيانًا تشعر خلود ببعض الشكوك والقلق من أنها لن تستطيع ممارسة مهامها كأم بسبب إصابتها؛ بيْد أنّ أطفالها متفوقون في دراستهم، ودائمًا ما يذكّرها ديولي بأنّ تفوقهم هذا إنما يُعزى إلى "ما تفعله معهم والحب الغامر في هذا البيت".
المساعدة مهمة وإن كانت صغيرة
في هذه الصورة يظهر جمال وهو يدلك قدم خلود ويديها لمساعدتها في تحسين الدورة الدموية لديها. يقول ديولي: "إنه رومانسي للغاية، فهو يعمد دائمًا إلى تقبيل يدها عندما ينتهي من التدليك". وفي فبراير 2017، علمت العائلة أنها ستنتقل إلى منزل حقيقي في لبنان بفضل حملة تمويل جماعي استطاعت جمع ما يكفي من المال لدفع ثمن الشقة (شقة كاملة بحديقة)، وتوفير علاج طبي لخلود - ونفقات عشر سنوات للزوجين وأولادهما. يقول ديولي إنّ المساهمات - وإن كانت صغيرة - تحدث فارقًا هائلاً لعائلاتٍ كهذه. "ربما ليس بوسعنا علاج الأزمة برمتها؛ إذ لا يمكننا إيقاف ما يجري، ولكن بوسعنا التعاون لتغيير حياة هؤلاء اللاجئين". وبالرغم من تحسن وضع الأسرة بشكل كبير، يحذر المصور من أنهم ما زالوا عالقين في غياهب النسيان، عاجزين عن النهوض بحياتهم.
حاجة للسرعة
ولدت آية (الجالسة على كرس متحرك) مصابة بالسنسنة المشقوقة، وهو عيب خلقي يكون فيه العمود الفقري مفتوحًا على طول عدة فقرات. ورغم أنّ الأطباء توقعوا أنها لن تعيش سوى لشهرين، فإنها تحدت توقعاتهم، وكبرت لتكون - على حد تعبير ديولي - "دينامو صغير من الطاقة والحيوية". وفي الصورة تظهر آية، البالغة من العمر 7 سنوات، وأخوها يدفعها على كرس متحرك بأقصى سرعة. يقول ديولي: "تحب أن تمضي بأقصى سرعة ممكنة بدنيًا على ذلك الكرسي المتحرك"، "وهنا هي فقط تصيح، (أسرع، أسرع يا حمار)"! غادرت العائلة - آية وأشقاؤها الأربعة ووالداهم - منزلهم في إدلب، سوريا، في العام 2014 وانتقلوا إلى مستوطنة غير رسمية خارج طرابلس في لبنان. وعندما قابلهم ديولي، أخبروه بأنهم يريدون البقاء بالقرب من سوريا. ولكن في غضون بضع سنوات، غيرت العائلة رأيها إذ أرادت توفير الرعاية الطبية لآية، وقد أدرجتها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لأغراض إعادة توطينها في أوروبا. ومع استمرار هذا الصراع الوحشي دونما نهاية، لاحظ ديولي تغيرًا مشابهًا في نفوس العديد من اللاجئين، إذ يقول: "بدأ الناس يقولون لي بشكل متزايد إن سوريا قد ماتت". فمع الدمار الذي لحق بالمدارس والمستشفيات والمنازل، أصبحت العودة إلى سوريا التي عرفوها حلمًا بعيد المنال بشكل أو بآخر.
الحياة تمضي بأشكالٍ عدة
كانت أم آية، سيهان (الجالسة يمين الصورة مع جارة لها)، تعمل في السابق معلمة رياض أطفال، وقد أصبحت رائدة مجتمعية في مستوطنتها، إذ تساعد جيرانها في حل مشكلاتهم. يقول ديولي: "هذا شيء أراه مرارًا وتكرارًا في جميع المستوطنات التي زرتها في لبنان - يحاول الناس مساعدة بعضهم البعض والتعاون معًا لإيجاد حلول لمشكلاتهم". وتتضمن المشكلات التي يواجهها الناس هناك نفاد الطعام والمال، وعدم القدرة على إيجاد العلاج الطبي، كما في حالة عائلة آية. وفي هذه الصورة تظهر أم آية وهي تناقش مع جارتها مشكلة شائعة لدى جميع العائلات - يلعب الأطفال في الخارج حتى وقت متأخر ويحدثون جلبة كبيرة.
عبء مزدوج
في هذه الصورة تظهر آية وأبوها أيمن، الذي كان يمتلك مصنع صابون في سوريا، يتشاركان لحظةً من الحميمية. يقول ديولي إنّه بالرغم من الصعوبات التي يواجهها الأبوان من عدم يقينٍ وعدم قدرةٍ على تلبية احتياجات أطفالهما، فإن العبء الملقى على عاتق الأب ربما يكون مضاعفًا؛ إذ بينما يتولى معظم النساء مسؤولية رعاية عائلاتهن في المستوطنات، تمامًا كما كنّ يفعلنّ في سوريا، يجد الرجال صعوبةً في إيجاد عمل قانوني في لبنان. يقول ديولي: "إنهم مكبلون حقًا لأنهم يريدون الخروج للعمل". "فهم يرون أن من واجبهم دعم عائلاتهم، وإذا لم يتمكنوا من فعل ذلك، فإنهم يشعرون بالفشل".
وبعد أكثر من عام من الفحوصات المكثفة التي أجرتها السلطات، علمت عائلة آية أنّها قُبلت لإعادة التوطين في فرنسا. وقد سُمح لكل فرد من العائلة بإحضار حقيبة سفر واحدة؛ حيث ملأت سيهان حقيبتها بالقهوة العربية وبعض أنواع التوابل المعروفة مثل الكمون والزعتر؛ إذ قالت لديولي: "أريد فقط التأكد من اصطحاب جزء من مذاق وطني عندما أصل إلى هنالك".
مذاق أرضٍ جديدة
في هذه الصورة، تعد العائلة عشاءهم في مطبخ شقتهم الجديدة في لافال، فرنسا، بعد أيام قليلة من وصولهم في يونيو 2016. وقد انضم ديولي إليهم لتناول الوجبة معهم؛ فبعد أن ساعدهم في حزم حقائبهم في لبنان، طار إلى فرنسا حتى يتسنّى له استقبالهم عند وصولهم ومساعدتهم في تسهيل إجراءات انتقالهم. وقد حصلت العائلة على حزمة طعام من إحدى المؤسسات الفرنسية، حيث أظهرت سيهان لديولي رغيف خبز فرنسي وسألته ما هو، وعندما أخبرها بأنه رغيف خبز، ضحكت العائلة بأكملها: "هذا ليس خبزًا! هذا ليس خبزًا"! يقول ديولي: "يكاد يكون من المستحيل تصديق هذه الصدمة الثقافية، وهذا التغيير الكبير". بيْد أن الوالدين أرادا استيعاب ذلك حتى يتسنّى لأطفالهم الحصول على مستوى جيد من التعليم والرعاية الصحية.
هبة التعليم
في فرنسا، التحق أطفال سيهان بالمدرسة مرة أخرى، وهو أمرٌ يقول ديولي إنّه يصعب على جميع اللاجئين تحقيقه؛ في أثناء وجودهم في لبنان، لم يتمكن الأطفال من الالتحاق بالمدرسة لأن العائلة لم تستطع تحمل أجرة الحافلة التي تنقلهم إليها، لذلك قدمت سيهان حصصًا دراسية في خيمتهم لبعض الأطفال في المستوطنة. إنّ افتقار أطفال اللاجئين للتعليم الرسمي أمر مثير للقلق؛ إذ يقول ديولي: "هذا الجيل الذي تمثله آية وإخوانها هم من ينبغي أن يتطلع إليه العالم لإعادة إعمار سوريا، ورغم ذلك، فهم محرومون من حقهم في التعليم". وفي فرنسا، تمكنت آية من الالتحاق بالمدرسة لأول مرة، وأصبح لديها العديد من الأصدقاء، بفضل سماتها الاجتماعية. يقول المصور: "لقد رحب بهم الجميع حقًا". وترغب سيهان في الانخراط في المجتمع بصورةٍ أو بأخرى، ربما عن طريق مساعدة اللاجئين الآخرين في الاستقرار، كما سيبحث أيمن عن فرصة عمل بعد أن ينتهي من تعلم اللغة الفرنسية.
إعادة استكشاف الطفولة
يستطيع أفراد العائلة الآن اللعب والمرح بالخارج في جوٍ من الحرية والأمان لم يعهدوه منذ سنوات؛ فقد سبق لأحد الأطفال في سوريا أن شاهد صديقته تُصاب بطلقٍ ناريٍ بينما كانت تطل من نافذتها. يقول ديولي: "لقد عانى هؤلاء الأطفال من أهوال لا يمكن تخيلها، وبرغم صمودهم الذي لا يُصدق، فإنه من دون أمل ومن دون مستقبل، ستتفاقم هذه المعاناة". "إنهم يرون في المجيء إلى فرنسا فرصةً جديدةً لاستكشاف طفولتهم مرة أخرى والبدء من جديد". ولكن لا تزال هناك جروح لم تندمل أعماق أنفسهم من هول ما شهدوه. فأحيانًا يهرع الأطفال إلى الاختباء لمجرد سماعهم صوت طائرة تحلق من فوقهم. ورغم ذلك، استطاع ديولي أخيرًا أن يرى ابتسامة صادقة على محيّا أيمن وسيهان لأول مرة في فرنسا. يتطرق ديولي إلى ذلك قائلاً: "بدا الأمر وكأن همًا ثقيلاً انزاح من على عاتقهم".
ويرى ديولي أن العمل مع خلود وآية قد أنقذ حياته؛ فبعد إصابته في أفغانستان، قال له الأطباء إنه لن يتمكن من العمل أو المشي مرة أخرى، وهو تشخيص مدمر استطاع التغلب عليه بصعوبة. كان العمل بطيئًا في بداية تعافيه، وخلال فترة النقاهة، قام بترتيب رحلة مع هانديكاب إنترناشونال، وهي منظمة غير ربحية تدعم الأشخاص ذوي الإعاقة في مناطق النزاع والكوارث، حيث تقابل مع آية. وبمرور السنوات، استطاع العمل على مناصرة قضية عائلتي آية وخلود، وذلك - على حد تعبيره - "في الوقت الذي لم أكن أعلم فيه جدوى ما أفعله، لأتمكن من توثيق حياتهم وتغييرها ولو بشكل محدود جعلني أشعر أنّ عملي هذا استحق العناء".
التقط جميع الصور جايلز ديولي / المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.