لا تقتل لغتك

28 أكتوبر 2015

رسم توضيحي لمايا ساريه أحمد / تيد

ربما يود العالم منك أن تتحدث بالإنجليزية لتبدو "عالميًا" أو "مثقفًا راقيًا"؛ إليك الأسباب التي تدفعك إلى مقاومة ذلك؛ حافظ على لغتك الأم!

تتحدث سوزان تلحوق اللغة العربية - لغتها الأم - وتنتظر من أقرانها الناطقين باللغة العربية أن يردوا بالمثل؛ بيْد أنّها تعيش في لبنان، حيث تتراوح المحادثات اليومية ما بين العربية والإنجليزية والفرنسية - وغالبًا ما تتخلف العربية عن الركب. وهذه النزعة تظهر بوضوح بين النخبة المتعلمة، حيث يعتاد الطلاب التحدث بالفرنسية والإنجليزية في المدارس الخاصة، لتتحول هذه العادة إلى موضة بعد فترة طويلة من تخرجهم. وفي حوارٍ لها ضمن حوارات TED بعنوان لا تقتل لغتك، تحذر سوزان من أنّ ما يضيع في عملية الترجمة ليس فقط كلمة هنا أو هنالك، وإنما يضيع الفكر كله، والذكريات كلها، والوجود الثقافي في العالم. باختصار، إنّ استخدام لغتك الأم لا يقل أهمية عن القيام بواجب مدني. فيما يلي أربع نصائح تقدمها سوزان لتعزيز الفخر بلغتك الأم.

لا تتكيف، بل واجه. فيما يلي محادثة مميزة لتلحوق: تطلب سوزان قائمة الطعام باللغة العربية دون أن تقول menu كالمعتاد، فيرد النادل باستغراب قائلاً إنّ اسمها menu (بالإنجليزية) أو menu (بالفرنسية). تقول: "كلمتان جعلتا شابًا لبنانيًا يحكم على فتاة جالسة لديه بالتخلف، بالجهل" - وهو حكم مسبق يتجاوز ساحات المطاعم. تضيف سوزان أنّ اللغة العربية ليست "لغة إنتاج علمي ولا بحث ولا لغة نعتادها في الجامعة ولا لغة نتحدثها في العمل، وبالتأكيد ليست اللغة التي نستخدمها في المطار. فإنْ تكلمنا بالعربية سينزعون عنا جميع ملابسنا".

على أنّ تلحوق تقرُّ بأن الانهيار تحت الضغط الاجتماعي للتحدث باللغة الإنجليزية أو الفرنسية أمر سهل، ولكنه ينم عن قصر نظر أيضًا؛ إذ تقول: "هنالك الكثير من أمثالي يمكن أن يصلوا إلى مرحلة في حياتهم يتخلون فيها رغما عنهم عن كل شيء حصل في حياتهم في السابق لمجرّد أن يقولوا بأنهم معاصرون و أنهم متحضرون"، وتضيف: "هل أنسى كل ثقافتي وكل أفكاري، وكل مخزوني الفكري وكل ذكرياتي"؟ مشيرةً إلى أنّه بدلاً من الاستسلام لهذا الضغط الاجتماعي، فإن الوعي بهذا الضغط - ورفضه استنادًا إلى هذا الوعي - هما الطريق الأمثل لاستعادة التوازن الثقافي.

الكلمات المشحونة عاطفيًا، بمجرد ترجمتها، تفقد تأثيرها العاطفي.

اكشف الاندثار الثقافي. تقول تلحوق: "اللغة ليست فقط للأحاديث، اللغة تمثل مراحل معينة في حياتنا، والمصطلحات التي ترتبط بعاطفتنا"؛ ثم تدعو الحضور في TEDxBeirut إلى استحضار الشعارات المشحونة عاطفيًا التي رددها المتظاهرون اللبنانيون خلال أحداث ثورة الأرز في العام 2005؛ حيث علت الحناجر مرددة "حرية، سيادة، استقلال" عبر شوارع المدينة، وعن هذا اليوم، تقول تلحوق مستحضرةً مشاهد الاحتجاجات الجماهيرية: "كل فرد منكم يرسم صورة في ذهنه؛ هنالك كلمات معينة، أحاسيس معينة، ليوم معين، لفترة تاريخية معينة". وتجادل تلحوق بأن الكلمات المشحونة عاطفيًا، بمجرد ترجمتها، تفقد تأثيرها العاطفي؛ إذ تقول: "إذا أتى إليك ابنك وقال لك: (أبي، هل عايشت ذاك التاريخ الذي تخلله شعار freedom؟)"، لتسأل بوضوح: "فبم ستشعر"؟ ولفهم كيف قد يشعر الناطق بالإنجليزية حيال ذلك، فكر في تعبير إنجليزي مشهور واخلط به كلمة عربية؛ على سبيل المثال، "God save the malika" بدلاً من "God save the queen". وجهة نظرها: هذا لا يتعلق باللغة فحسب، وإنما يتعلق بالثقافة والمجتمع والذكريات.

أسقط "عقدة الخواجة". إنّ مجرد التحدث بلغتك لن يجعلها لغةً عصرية؛ فلبناء الزخم اللازم، تقول تلحوق إنّه يجب على الناطقين بالعربية مواجهة أهل النخبة الذين يجفلون من اختياراتهم للكلمات. ولذا أسست جمعية فعل أمر، وهي حركة شعبية تحث الشباب اللبناني على الفخر بلغتهم الأم. بيْد أنّ الحملة لا تتعلق بازدراء كل كلمة فرنسية أو إنجليزية (حتى إنّ تلحوق تقول إنها تفضل استخدام الكلمة الإنجليزية "internet" عن نظيرتها العربية "الشبكة")؛ وإنما انطلقت بشعار يهدف إلى إبراز التهديد الثقافي: "أخاطبك من الشرق، فترد من الغرب". تقول تلحوق: "بعد ذلك، أطلقنا حملة أخرى بها مشاهد الأحرف موضوعة على الأرض. مشهد حرف وحوله شريط بالأصفر والأسود، كتب عليه: لا تقتل لغتك".

كن مبدعًا، أولاً وقبل كل شيء. تقول تلحوق: "كل شخص منكم هنا هو مشروع إبداع"، مطالبة الحضور باستخدام لغتهم الأم للاستكشاف والتجربة بطريقة إبداعية؛ ثم تذكر أحد الأدباء اللبنانيين العالميين، الكاتب جبران خليل جبران، الذي ما كان له أن يبدع رواياته الرائعة بالإنجليزية، لو لم يكن قد أتكن لغته الأم أولاً، إذ تقول: "كل أفكاره وخياله وباطنه وفلسفته استلهمها من هذا الطفل الجالس في القرية التي تربى فيها على رائحة معينة، على صوت معين، على فكرة معينة". وتضيف قائلةً: "حتى عندما كان يكتب بالإنجليزية، عندما نقرأ كتاباته بالإنجليزية، نشم نفس الرائحة، نحس بنفس الإحساس". ولذا فهي تحث شباب الفنانين والأدباء على الاقتداء بجبران، وأن يصبوا طاقاتهم الإبداعية في حب لغتهم الأم ودعمها؛ إذ تقول: "رواية واحدة تستطيع أن تعيدنا إلى العالمية. تستطيع أن تعيد اللغة العربية إلى المركز الأول".