عزيزي جاي: "يشعرني انتشار فيروس كورونا بالقلق الشديد، ماذا أفعل؟"
لكل من يقرأ رسالتي هذه،
قبل أسبوعين، لاحظت أن معظم مرتادي عيادتي قد تحدثوا عن مخاوفهم بخصوص انتشار فيروس كورونا (كوفيد-19). وخلال الأسبوع الماضي، جميع مرتادي العيادة عبروا عن مخاوف مثل "هل ستنتقل لي العدوى؟" "هل أتجنب زيارة أقربائي؟" "كيف أجد ما يلزمني في أثناء بقائي في المنزل؟".
سبّب الوباء مشاعر الخوف والقلق لدى الناس في جميع أنحاء العالم، وبالرغم من أن الخوف والقلق لديهما نفس الاستجابات النفسية، فهما يختلفان من نواحٍ عدة. فالخوف هو رد فعل اتجاه خطر محدد أو وشيك، أما القلق فهو رد فعل لخطر مستقبلي وغامض.
معظم استجاباتنا النفسية تجاه فيروس كورونا تصنف ضمن القلق. فبالنسبة لمعظمنا لا يزال الخطر مجهولًا وغير مؤكد، ما يجعل الأسئلة والاحتمالات تدور في أذهاننا. فنحن لا ندري إذا كنا سنتعرض لعدوى الفيروس أم لا، وما إذا كنا سنعاني من أية أعراض، أو كيف سنتعافى من هذه الأعراض.
يتغذى القلق على المجهول، ويجسده في سيناريوهات مرعبة تضعنا في حالة توتر مستمر. وبالتالي، يمكننا أن نُعرف القلق على أنه استجابة نفسية تُضخم أمورًا احتمالية وقوعها ضئيلة، وتجعلها تبدو أمرًا واقعًا ولا يمكن التحكم به.
كما أن القلق المستمر يشعرنا بالعجز والإرهاق ويشل حركتنا، ما يزيد من شعور الضعف ويثبط قدرتنا على العمل.
وهنا يكمن السر للتحكم بالقلق: البدء بالعمل.
يكمن السر في إعادة تنشيط المشاعر والمفاهيم التي يكبحها شعورنا بالقلق، مثل الشعور بالتحكم والتمكن والتفكير بعقلانية والأخذ بزمام الأمور، وحين نب الحياة في تلك المشاعر، نحارب الشعور بالحاجة للهرب أو الدفاع عن النفس، ونرى الأمور على حقيقتها، وبالتالي نفكر في حلول أكثر واقعية لما يواجهنا من مصاعب.
ومع ذلك، فالظروف التي نعيش فيها غير مسبوقة وصعبة للغاية. ومن الطبيعي أن يمر كل فرد منا بلحظات من القلق،والغضب، والذعر، ولحظات من الضيق. إذا استبدت بك هذه المشاعر فلا تلم نفسك، فتلك ردود فعل طبيعية. لكن حاول تبني استراتيجيات لدعم الذات تساعدك في تقليل حدة تلك المشاعر، وسنذكر بعض تلك الاستراتيجيات فيما يلي.
كلنا نعرف ما يجب علينا فعله للاهتمام بصحتنا البدنية، مثل زيارة المصادر الموثوقة للحصول على المزيد من المعلومات مثل منظمة الصحة العالمية؛ وتعقيم اليدين وغسلهما بالماء والصابون لمدة لا تقل عن 20 ثانية، وإخبار الجهات المختصة في حال ظهور أي أعراض.
نحتاج أيضًا إلى الاعتناء بصحتنا النفسية. ومن أهم السبل لتحقيق ذلك التحكم بمشاعر القلق وتقليل التوتر. هذه بعض الاستراتيجيات التي أستخدمها شخصيًا.
1. ركز على ما تعرفه وليس على ما تجهله.
سيأخذك تفكيرك باستمرار إلى سيناريوهات مرعبة ومخيفة تستقي إلهامها من أفلام الرعب. لا تقع في الفخ وركز على ما تعرفه. فمثلًا، أنت لا تعرف إذا كنت ستصاب بالفيروس أم لا، لكنك تعرف بشكل مؤكد أن غالبية من يصابون بـكوفيد-19 يعانون أعراضًا طفيفة يمكن التحكم بها. كمثال آخر، أنت لا تعرف متى سينتهي الوباء، لكنك تعرف جيدًا أن العالم شهد تعاونًا غير مسبوق بين العلماء في جميع أنحاء العالم لإيجاد لقاحات وعلاجات للفيروس. لا يمكنك مثلًا أن توقف شعورك بالضيق لأنك لا تدري متى ستستطيع رؤية عائلتك وأصدقائك الذين يعيشون في بلدان أخرى، لكن تدرك أن بإمكانك إجراء اتصالات الفيديو والبقاء على تواصل مستمر معهم.
2. ركز على ما هو تحت سيطرتك وليس العكس.
عندما تشعر بالإرهاق والقلق نتيجة الأزمة التي نعيشها، توقف للحظة وحاول التركيز على الأمور التي تحت سيطرتك. فمثلًا، إذا كنت في متجر البضائع، من المؤكد أنه لا يمكنك التحكم في تصرفات من حولك، فأنت لا تدري إن كانت أيديهم نظيفة، ولكن يمكنك ارتداء القفازات وتعقيم يديك بشكل مستمر، واستخدام مرفقك لفتح الأبواب العمومية، وغسل يديك فور العودة للمنزل. وعندما يطلب منك العمل من المنزل، لا يمكنك التحكم بموعد عودتك للمكتب، لكنك تستطيع أن تستغل وجودك في المنزل لأداء المهام التي كنت تتفاداها كترتيب أدراجك، أو إلغاء عضويتك في النادي الرياضي الذي لا تذهب إليه، أو ترتيب جبل المجلات على الطاولة.
3. ركز على ما باستطاعتك فعله وليس العكس.
خلال الأوقات العصيبة، قد تشعر أنك عاجز أمام الواقع. في هذه الحالة، حاول أن تركز على ما يمكنك فعله. على سبيل المثال، إذا اعتدت اللعب مع فريق لكرة السلة وأوقفت التدريبات نتيجة الوباء، يمكنك شحذ مهاراتك عن طريق التدريبات البصرية، فقد أكدت الأبحاث العلمية فعالية تلك التدريبات إلى حد كبير.
وإن كان لديك أطفال وتخشى أن يتملكهم القلق بخصوص كل ما يحدث، فبإمكانك أن تشغل وقتهم. وأفضل طريقة لذلك هي تحفيزهم على أداء الأعمال المنزلية، فهي تعطينا شعورًا بالإنجاز والفاعلية، وهي أمور مهمة جدًا في وقت كهذا. كما أن بإمكانك أداء الأعمال المنزلية بمساعدة أطفالك كلما سنحت الفرصة مثل إعداد وجبة طعام، أو الاعتناء بحيواناتكم الأليفة، أو زراعة نباتات جديدة في الحديقة، فهذه كلها أمور تعزز الترابط والتواصل.
4. ساعد نفسك من خلال مساعدة الآخرين.
من أفضل الطرق التي تحررك من قيود القلق هي مساعدة الآخرين، فاللطف والإيثار ومد يد العون يبث في أنفسنا مشاعر الرضى، التي بدورها تزيد شعورنا بالسعادة. تفقد أحوال جارك الذي يعيش بمفرده، أو راسل صديقًا تضررت مشروعاته نتيجة الوباء، أو اتصل بأفراد عائلتك من كبار السن للاطمئنان عليهم. وإذا تسللت مشاعر القلق إلى من تعرفهم من أصدقائك، شاركهم ما تعلمته عن التحكم في مشاعر القلق. التعامل بلطف مع الآخرين ومساعدتهم على التكيف مع الحالة الراهنة سيُشعرك بالإنجاز والفاعلية كما سيعطيك دفعة من الإيجابية ستساعدك على شق طريقك خلال هذه الأوقات العصيبة.
5. قلل من مشاهدة وقراءة الأخبار.
نعلم جيدًا أن الوضع غير مستقر ويتغير سريعًا، لذلك نحاول متابعة المستجدات عن طريق مشاهدة الأخبار أو متابعة منصات التواصل الاجتماعي. لكن عندما تكون الأخبار مصدرًا للقلق والمشاعر السلبية، تصبح الحاجة مُلحة لخلق توازن بين البقاء على اطلاع وبين صخب الأخبار والمشاعر السلبية التي تجلبها. حدد أوقاتًا معينة في اليوم تتابع فيها مستجدات الأخبار وعش بقية يومك بشكل طبيعي، خصوصًا إذا كنت تقضي الحجر الصحي بمفردك أو مع أطفالك. اغتنم كل الفرص المتاحة لأخذ قسط من الراحة وتهدئة عقلك، وهذا يعني الابتعاد عن كل مصادر القلق كالاستهلاك المفرط للأخبار.
6. تبنَّ منظورًا إيجابيًا.
في هذه المرحلة من الصعب علينا جميعًا، حتى الأخصائيين النفسيين، النظر بإيجابية إلى المستقبل ورؤية الضوء في آخر النفق. لكن هذه الأزمة ستنتهي لا محالة. لا ندري متى ستنهي ولا نعرف ما الذي سيحدث في غضون أسابيع أو شهور، لكن علينا أن نتذكر أن لدى البشر قدرة كبيرة على الـتأقلم. ستعود الأمور لتبدو عادية من جديد، لأننا سنعتاد الوضع الجديد.
نحن الآن في مواجهة تحديات كبيرة، لكننا لن نيأس. يمكننا الأخذ بزمام الأمور من جديد، واتباع الخطوات اللازمة للعناية بصحتنا النفسية كلما شعرنا بالقلق أو الضيق، والبقاء على تواصل مع أحبائنا وأقربائنا. وسنكتسب من الأزمة أمورًا لا تأتي إلا مع التحديات الكبيرة وهي القدرة على الصمود، والتعاطف، والتفاهم.