النصيحة الأساسية لتجهيز عرض تقديمي أو خطاب احترافي فاعل
بريا مستيري
تقول براير غولدبرغ، مديرة تدريب المتحدثين في TED، إنه من المهم جدًا عندما تستعد لإلقاء كلمة أو خطاب أمام جمع من الناس أن تركّز اهتمامك على جمهورك، والطريقة الأمثل لذلك هو أن تسأل نفسك هذا السؤال: ماذا ستهدي جمهورك؟
فيما يلي، تغوص براير بشكل أعمق في جانب واحد من جوانب الخطابة يتجاهله الكثير منا عند صياغة الخطابات والعروض التقديمية، ألا وهو الجمهور.
ليس صعبًا أن نحصل على نصائح مهمّة لتطوير مهاراتنا في التحدث أمام الجمهور. هناك ما لا يحصى من الكتب والمنشورات والمدونات ومقاطع الفيديو على اليوتيوب التي تعلمنا كيفية سرد قصص تجذب الانتباه وتبهر الجمهور، وكيفية التواصل البصري، واستخدام لغة الجسد، وغير ذلك. هذا المحتوى بالطبع مفيد جدًا ورائع، لكنني هنا متحيزة؛ فمن خلال مسيرتي المهنية كمديرة تدريب المتحدثين في TED منذ 2015، تبين لي أن التواصل الفاعل مع الآخرين هو من المهارات الأساسية لإلقاء خطاب أو تقديم عرض احترافي أمام الجمهور.
إلا أنه ورغم توفر هذا الكم الكبير من النصائح، هناك خطأ شائع يقع فيه الكثير، وهو أنهم يسلكون الاتجاه الخاطئ عند بناء التواصل مع الجمهور.
ما هو الاتجاه الخاطئ؟ ربما نمضي وقتًا كثيرًا في إعداد خطابات وتصميم عروض عن طريق الباوربوينت وتنظيم رؤوس الأقلام، كل ذلك قبل التعرف على الجمهور وما يحتاجونه أو يتوقعونه منّا. ولا شك أن لهذا تأثير سلبي على جودة التواصل؛ فعندما لا يشعر جمهورك أن كلماتك لا تتحدث إليهم، أو عندما لا يفهمون مبتغاك، أو الأسوأ، عندما لا يهتمون لما تقوله، فلن تكون هناك قيمة لخطابك الذي كتبته بدقة ولا حتى نكاتك التي أعددتها لإمتاع الجمهور؛ فجوهر التواصل ليس حاضرًا.
كان جيم واغستاف أول معلم لي عندما بدأتُ مسيرتي المهنية في هذا المجال. اعتاد دائمًا أن يطلب من المتحدثين أن يضعوا القاعدة التالية نُصب أعينهم: "الجمهور قبل المحتوى". أحب هذه القاعدة جدًا، لأنها تجسّد صلب التواصل. فالأمر لا يتمحور حولك أنت أيها المتحدث، بل يتمحور حول جمهورك، وبالتالي يجب أن تكون احتياجات الجمهور دائمًا على رأس أولوياتك عند الإعداد لعرضك التقديمي.
عندما نقدّم حصصًا تدريبية لمتحدثي TED، نطلب منهم تحديد "الهدية" التي سيمنحونها للجمهور خلال العرض التقديمي. هذه هي الطريقة المثلى للإعداد. فكل من يريد التواصل مع الجمهور، سواءً في أثناء إلقاء كلمة، أو خلال التقديمِ في محادثات TED Talk، أو حتى عند تقديم عرض توضيحي لرئيسه في العمل، ينبغي أن يطرح على نفسه هذا السؤال: ما هديتك لجمهورك؟
وتعزيز مهارات التواصل الفاعل مع الجمهور ليس بتلك الصعوبة التي قد تتخيلها، إذ بمجرد أن تعرف من هو جمهورك وكيف تضعه في صلب اهتمامك ستضمن نجاح عرضك التقديمي أو اجتماعك التالي.
مـاذا يعني أن تعرف خصائص جمهورك المستهدف؟
لعلك قد سمعت عبارات مثل "اعرف جمهورك". لقد رأيتُ قوائم يتم استخدامها هنا وهناك تحوي أسئلة من شأنها مساعدة المتحدثين على تحديد احتياجات وتوقعات الجمهور، من قبيل: "كم عدد الذكور والإناث بين جمهورك؟"، أو "هل هم تنفيذيون أم مدراء متوسطون؟"، أو"من أين هم؟"
قد تكون المعلومات الديموغرافية مفيدة في صياغة محتواك ليتناسب مع متوسط أعمار جمهورك مثلًا. فإن كنت تتحدث لجمهور متوسط عمره هو 76 سنة، عليك أن تفكر مليًا في النكات الطريفة التي أعددتها. قد تكون معلومات كهذه مفيدة، لكن نوع المعرفة التي يجب التركيز عليها و تحقيقها أعمق من ذلك بكثير. هذه المعرفة تتجاوز ما هو سطحي لتقدم إجابات عن هذين السؤالين الأساسيين: "ما هي أهداف جمهوري؟" و"كيف يتخذون قراراتهم؟"
كيف تفهم حقًا أهداف جمهورك؟
لتحقيق ذلك، ستحتاج إلى طرح مجموعة من الأسئلة المختلفة لتحديد احتياجات جمهورك وتوقعاتهم، وتشمل الآتي:
"ما الدافع الذي سيجعل الحضور يخصصون وقتًا في جداولهم المزدحمة للاستماع إلي؟"
"ما الاستفادة التي يأملون الحصول عليها )أو يحتاجونها( من هذا العرض التقديمي أو الخطاب أو الاجتماع؟"
"ما هي توقعاتهم؟"
"ماذا يمكنني أن أقدّم لهم من أجل تلبية تلك التوقعات أو تجاوزها؟"
بمجرد أن تضع إجابات لهذه الأسئلة، ستتمكن من بناء تواصل فاعل يتناسب مع جمهورك. فهذا من شأنه أن يبقي جمهورك منتبهًا وأنت تتحدث، ما يعني أنهم سيتذكرون ما قدمته وسيشاركونه مع الآخرين. علاوةً على ذلك، سيعتبرونك متحدثًا مقنعًا ومؤثرًا.
ولكن ماذا يحدث إن كانت أهدافك كمتحدث لا تتوافق مع أهداف الجمهور؟
لديك أهداف تريد تحقيقها بصفتك متحدثًا. ربما تكون مسؤولًا تنفيذًيا ولديك رسالة تريد إيصالها لأفراد الشركة، أو ربما صممت منتجًا جديدًا وتريد أن تجعل عملاءك مهتمين به ومتحمسين له. من المهم جدًا أن تحدد أهدافك بوضوح لتقرر بعدها ما إذا كانت تتماشى مع أهداف جمهورك. وإذا كان هناك توافق، فهذا أمر رائع، ويمكنك البدء في الإعداد والكتابة.
لكن أحيانًا لا يحدث هذا التوافق، وحينها تصبح مهمتك هي سد الفجوة وإقناع جمهورك بأن أهدافك يمكن، وربما يجب، أن تكون أهدافهم أيضًا. وهذا بالطبع لا يعني التلاعب أو خداعهم لجعلهم يفكرون بطريقة معينة. ما أقصده هو أن تحاول فهم جمهورك بما يكفي لتعرف كيف يتخذون القرارات ونوع المعلومات التي يحتاجون إليها ليقتنعوا من تلقاء أنفسهم.
إحدى أكثر محادثات TED إقناعًا لهذا العام قدمها خبير النوم مات ووكر. ولا شك أن لكل منا أهدافه الخاصة عندما يقرر مشاهدة محاضرة حول النوم؛ لكن مات كان واضحًا، فهدفه هو إقناع الجمهور بإعطاء الأولوية للنوم فوق أي شيء آخر. وليكسب الجمهور في صفه، كان عليه إقناعهم بأن الحصول على قسط كاف من النوم هو أثمن شيء يمكن أن نفعله بوقتنا الحاضر.
افهم كيف يتخذ جمهورك قراراتهم.
لن تستطيع إقناع شخص بشكل فاعل دون معرفة طبيعة المعلومات التي يحتاجها لاتخاذ القرار. فكّر في الأمر بهذه الطريقة: إن حاول أحدهم أن يبيع لك حاسوبًا، فعلى الأغلب لن تقوم بشرائه إلا إذا أخبرك بسعره. وهذا ينطبق على جمهورك، لا تتوقع أن تؤثر على آرائهم حتى تقدم لهم من المعلومات ما يجعلهم يقررون تغيير آرائهم بالفعل.
لكن كل جمهور يختلف عن غيره. فكيف يمكن أن تعرف نوع المعلومات التي تحتاج إلى تقديمها للتأثير عليهم؟ هناك مجموعات بحثية كاملة تغطي استراتيجيات إقناع الجمهور. وفيما يلي سأقدم إطارًا بسيطًا للبدء.
يمكن تقسيم الجمهور إلى ثلاثة أنواع: خبير، ومبتدئ، ومختلط. فلتكن على دراية بأن الجمهور الخبير يفهم موضوعك جيدّا وقد يعرفك أنت المتحدث على المستوى الشخصي. فعلى سبيل المثال، إذا كنت سمسار عقارات وتخاطب أصحاب العقارات في اجتماع سنوي، فأنت بلا شك تتحدث لجمهور خبير. بيد أن الجمهور المبتدئ لا يعرف الكثير عن الموضوع ولا يعرف شيئًا عنك، ومثال على ذلك وسيط العقارات الذي يتحدث إلى عامة الناس ممن يريدون شراء أول منزل لهم. سيكون جمهورك في الغالب مزيجًا من الخبراء والمبتدئين، وجمهور TED الدولي الكبير هو مثال ممتاز للجمهور المختلط.
عندما تتحدث إلى جمهور خبير، استخدم الحجج المنطقية والكمّية لإقناعهم.
بشكل عام، يقتنع جمهور الخبراء بالحجج المنطقية والمعلومات الكمية. فإذا كنت سمسار عقارات تحاول إقناع جمهورك الخبير بالاستثمار في نوع جديد من العقارات، بإمكانك أن تتميز وتحقق هدفك بأن يكون عرضك التقديمي مبنيًا على البيانات والإحصاءات الداعمة لهذه الخطة.
عندما تتحدث إلى جمهور مبتدئ، اعتمد على مصداقيتك.
الجمهور المبتدئ لا يعرف الكثير عنك أو حتى عن الموضوع الذي ستقدمه، ومن ثم يميلون إلى اتخاذ القرارات بناءً على مصداقيتك ومصداقية مصادرك. لذا من المهم أن تعزز مصداقيتك وتتأكد من مصداقية البيانات التي تعتمدها حتى يثقوا فيما تقدّمه ويتبعون توصياتك.
في هذا السياق، عندما ألقي محاضرة عن الخطابة أمام جمهور لا يعرفني، أتحدث دائمًا عن الجامعات المرموقة التي درستُ فيها وبعض أسماء المديرين التنفيذيين الذين درّبتهم. وليس في هذا أي نوع من التفاخر، لكن ذلك سيستدعي التحلي بالحكمة في معرفة مقدار المعلومات التي ينبغي تقديمها حتى لا يبدو الأمر مباهاةً أو تفاخرًا، أي تقديمها بطريقة سريعة تجعل جمهوري يعتبرني مصدرًا قويًا وموثوقًا لتقديم نصائح التواصل وبالتالي يحفزهم للاستماع إلي. أحيانًا اشارك مع جمهوري المصدر العلمي لمعلومة ذكرتها في محاضرتي، بقولي: "نشرت جامعة هارفارد هذه الدراسة العام الماضي..." وهكذا، وبمجرد الإشارة إلى مصدر موثوق وغني عن التعريف، فإنني أعزز مصداقيتي كمتحدث.
عندما تتحدث إلى جمهور مختلط، اجتذب مشاعر الجمهور.
قد يكون اجتذاب مشاعر الجمهور أمرًا مقنعًا للغاية عندما تتحدث إلى جمهور مختلط. اتخاذ القرارات هو بالأساس مبني على المشاعر والعواطف، وكلنا مررنا بهذه التجربة في مرحلة ما من حياتنا. شاركت متحدثة TED نورا ماكينيرني العام الماضي تجربتها الخاصة مع الموت لتعلمنا كيفية التعامل مع مشاعر الحزن. كان ذلك مثالًا فاعلًا لاجتذاب مشاعر الجمهور.
هنا لعلك تتساءل: كيف يمكنني اكتشاف هذه المعلومات كلها عن جمهوري؟
هذا الجزء مهم وممتع. بصفتك متحدثًا، تقع على عاتقك مسؤولية التعمق في معرفة جمهورك، وهذا يشمل احتياجاتهم ودوافعهم. وأنا على قناعة بأن أي مجهود تبذله في هذا الشأن سيؤتي ثماره لا محالة، وبشكل مضاعف. إذا كنت ستتحدث في مؤتمر أو اجتماع رسمي، ينبغي تقصي المعلومات من الشخص أو المنظمة التي قامت بدعوتك. هل هم على استعداد لمشاركة معلومات التسجيل؟ كيف قاموا بتسويق الفعالية؟ إذا كنت ستقدم تقريرًا ماليًا، فماذا عن المحللين الذين يتابعون شركتك؟ هل سألتهم يومًا عما يحتاجون إليه؟ وإذا كنت ستتحدث في مقر شركتك المحلي، فهل يمكنك التحدث إلى فريقك ومعرفة ما يتوقعون سماعه منك؟ وإن كنت ستتحدث بمؤتمر في بلد آخر، هل يمكنك العثور على مترجم أو شخص محلي يمكنه مساعدتك في فهم توقعات الجمهور بشكل أفضل؟
المعلومات موجودة ومتوفرة، ولا تحتاج سوى بذل بعض الجهد للحصول عليها واستخدامها. وكيف تعرف أنك نجحت؟ ستعرف ذلك عندما تجد جمهورك مندمجًا ومتفاعلًا، وعندما يحملون رسالتك وينشرونها بعدما تفرغ من حديثك.