4 تمارين بسيطة لتحسين الانتباه والتخلص من التشتت

9 يونيو 2018

يتأثر انتباهُنا بكل شيء حولنا، بدءًا من الضغط الذي نكابده في يومنا، وصولاً إلى رنين هواتفنا. توضح عالمة الأعصاب أميشي جها كيف يمكننا تطوير القدرة على التركيز على الأمور الأهم في حياتنا.

"أنا أفكر، إذًا أنا مشتت".

هذا ما كان سيقوله ديكارت لو كان يكتب هذه الأيام. نحن نعيش في عصر التشتت، غارقين في سيل الإشعارات والتنبيهات والرسائل النصية ومقاطع الفيديو والبرامج التلفزيونية المختلفة، وغير ذلك الكثير. ولذا ليس من المستغرب أن تشعر عقولنا بالتشوش والارتباك.

ولكن اتضح أننا لسنا تحت رحمة عقولنا الشاردة. أميشي جها (حلقة TED الحوارية: كيف تروض ذهنك الشارد)، أستاذ مساعد في علم النفس في جامعة ميامي ومدير علم الأعصاب التأملي في مبادرة UMindfulness، تدرس آليات انتباه الدماغ، وقد وجدت أن ثمة تمارين محددة يمكننا القيام بها لتعزيز قدرتنا على الانتباه. وهنا توضح كيف يمكننا ترويض عقولنا الشاردة.

انتباهنا هش وضعيف. تشبه جها انتباهنا "بالمصباح اليدوي إذ يمكننا توجيهه إلى أي شيء نريد". يشير البحث إلى أنّ عقولنا تشرد في 50% من أوقات يقظتنا، وهذا يعني أن معظمنا يعيش بذهنٍ شاردٍ؛ يتشتت انتباهنا بسهولةٍ، سواء بفعل مشتتات داخلية - كل شيء بدءًا من ضغوط العمل وصولاً إلى الرغبة الشديدة في تناول الكحول - أو مشتتات خارجية - مثل تنبيه بطقس عاصف يظهر على شاشة هاتفنا. وسواء كانت هذه المشتتات مهمة أو سخيفة، تقول جها إنها "تجعل عقولنا تشرد بعيدًا عما نفعله. وهذا التشتت ينطوي على عواقب وخيمة لنا جميعًا، ولا سيما بالنسبة للأشخاص العاملين في مجالات عالية الخطورة، كالطب أو الجيش أو القضاء.

إذًا، كيف نروض هذا الشرود والتشتت ونعزز التركيز؟ تقول جها "هنا يأتي دور تدريب الوعي الآني". وتدريب الوعي الآني، حسب وصف جها، هو "روتين لياقة ذهنية متنقل يعمل على تعزيز قوة انتباهك". وقد اختبرت جها تأثيرات هذا التدريب على أشخاص ضمن مجموعات تتعرض لضغط شديد، مثل الرياضيين والعسكريين. وقد خلص بحثها إلى أن انتباه الأشخاص الذين لا يمارسون تمارين الوعي الآني يتراجع عندما يتعرضون لضغط شديد، ولكنه يظل ثابتًا لدى الأشخاص الذين يمارسون هذه التمارين. علاوة على ذلك، إذا نفذ الأشخاص تمارين الوعي الآني هذه والتزموا بها بصورة منتظمة، ستتحسن حالتهم جدًا، حتي لو كانوا تحت ضغط عصبي شديد. وبحسب جها، بدأ الباحثون في الكشف عن الفوائد الأخرى المرتبطة بالوعي الآني، بما في ذلك تقليل القلق والحماية من انتكاس الاكتئاب وتحسين الذاكرة العاملة.

ما هو الوعي الآني؟ الوعي الآني هو الانتباه لما تمر به في اللحظة الحالية، لكن دون أية استجابة عاطفية لما يحدث. تقول جها: "إنّه لا يتطلب أي رؤية خاصة للعالم أو أي معتقدات روحية أو دينية". يمكن تقسيم تدريب الوعي الآني إلى فئتين رئيستين: تركيز الانتباه والمراقبة المفتوحة. وهما ممارستان مختلفتان للغاية، ولكنهما تكملان بعضهما البعض.

تعمل تمارين تركيز الانتباه على تنمية قدرة عقلك على التركيز على شيء واحد، مثل التنفس. لممارسة التنفس الواعي، اجلس في وضع مريح ومستقيم وركز كل انتباهك على الإحساس بالتنفس، وتطرح جها مثالاً على ذلك وهو تركيز الانتباه على "برودة الهواء المتدفق من وإلى أنفك أو حركة بطنك للأعلى والأسفل". وتضيف: "ركز على شيء مرتبط بتجربتك الحسية. إذ عندما يشرد عقلك بعيدًا عن هذا الإحساس إلى محتوى عقلي داخلي أو مشتت خارجي، أعده برفق إلى الشيء المرتبط بعملية التنفس". ولا تتفاجأ أو تُحبط إذا وجدت نفسك تستعيد عقلك مئات المرات خلال جلسة مدتها 15 دقيقة. اعتبر عقلك وكأنه جرو تدربه على المشي بالسلسلة، تعيده بلطف كلما ابتعد.

وثمة تمرين آخر من تمارين تركيز الانتباه ألا وهو المشي الواعي. تقول جها: "لاحظ إحساس المشي - قدمك وهي تطأ الأرض، الرياح وهي تداعب بشرتك، الأصوات المحيطة". يمكن ممارسة المشي في الأماكن المغلقة والمفتوحة. وربما تجد هذا النشاط أسهل من التنفس الواعي؛ فقط مارس ما تراه مناسبًا.

التمرين الأخير من تمارين تركيز الانتباه هو فحص الجسد. أتتذكر تشبيه انتباهك بالمصباح اليدوي؟ تقول جها: "إن فحص الجسد يأخذ هذا المصباح ويوجهه بشكل منهجي عبر الجسد بأكمله". ابدأ بتركيز انتباهك على أصابع قدميك، مع ملاحظة أي إحساس قد يكون مرتبطًا بها. التراص؟ التنميل؟ الدفء؟ البرودة؟ بعد ذلك، يمكنك الانتقال إلى باطن القدم والكعب، ثم الأرجل والمعدة وما إلى ذلك؛ حرك مصباحك ببطء على جميع أجزاء جسدك. وبعد أن تتأسس جيدًا في ممارسة تركيز الانتباه ويكون بإمكانك تركز انتباهك على شيء معين أو مجموعة من الأحاسيس لفترة من الوقت، يمكنك عندئذ الانتقال إلى ممارسة المراقبة المفتوحة.

تساعدك المراقبة المفتوحة على تعلم الانتباه إلى ما يحدث من حولك دون الارتباط به. لا تتعلق هذه الممارسة بالانتباه إلى شيء بعينه أو أشياء بعينها، وإنما تتعلق بالبقاء منفتحًا على أي تجربة - داخلية أو خارجية - تنشأ والسماح لها بأن تغمر كيانك بأكمله. تقول جها: "أنت لا تعالجها ولا تتدبرها، أنت فقط تراقب حدوثها وتدعها تمضي". ولممارسة ذلك، اجلس في وضع مريح ومستقيم، وحاول إدراك أي أحاسيس أو أفكار أو عواطف تظهر دون أن تستجيب لها. وربما من المفيد لك أن تسمي ما يحدث باستخدام كلمات مثل "التخطيط" و"القلق" و"الحكم" و"التذكر". يمكنك القيام بذلك بصمت أو بصوت مرتفع. وبعد أن تسميها، دعها تمضي. تدبر ما تفعله مثل مشاهدة الغيوم تتحرك في السماء ومراقبة الأشكال المختلفة التي تصنعها - ولكنك في هذه الممارسة تشاهد أفكارك تنتقل عبر عقلك. وأجل، ستجيء أوقات تشعر فيها بأنك متعلق بفكرة أو إحساس معين باستمرار ولا يبدو أن بمقدورك التخلي عنها. تقول جها: "إذا وجدت أنك ضائع جدًا في التفكير لدرجة أنك لا تستطيع القيام بممارسة المراقبة المفتوحة، فارجع إلى ممارسة تمرين تركيز الانتباه لتستعيد عقلك مرة أخرى".

يبدأ الناس عامةً في رؤية الفوائد عندما يمارسون هذه التمارين مدة 15 دقيقة في اليوم، 5 أيام في الأسبوع، مدة 4 أسابيع تقريبًا. تقول جها: "كلما مارست أكثر، استفدت أكثر، ولكن إذا قلت مدة الممارسة إلى أقل من 12 دقيقة في اليوم، فلن تحظى بأي فائدة في الحقيقة". إذا جربت أيًا من هذه التمارين، وواجهت صعوبة في الحفاظ على تركيز عقلك، فاعلم أن هذا شائع. تنصح جها الناس ألا يُحبطوا - فكما هو الحال مع أي نشاط جديد أو رياضة جديدة، ينبغي الممارسة والتدرب، إذ تقول: "سيشرد عقلك، وهذا طبيعي تمامًا، فالأمر لا يتعلق بالقضاء على الشرود، وإنما حينما يشرد عقلك، تستعيده بلطف".

لا تكثر على نفسك في البداية. تقول جها: "ابدأ بأيما هدف معقول تراه، واقسمه إلى جزأين، واقطع على نفسك التزامًا لبعض الوقت". فقد يكون هدفك بسيطًا مثل التعهد بالتوقف كل يوم والتموضع لممارسة أحد التمارين، وبمجرد الجلوس (أو المشي) لممارسة التمرين، فمن المحتمل أن تظل في الممارسة لبعض الوقت. ومهما كان هدفك المبدئي، التزم به مدة شهر - وهنئ نفسك على تحقيقه! - ثم قم بزيادة وقت التمرين تدريجيًا حتى تصل إلى مدة 15 دقيقة، 5 أيام في الأسبوع. وحاول العثور على مجتمع الوعي الآني، سواء افتراضيًا أو بشخصك، حتى يتسنى لك الاستمرار في الممارسة. وتوضح جها أنّ الأهم من ذلك هو التأكد من "أنك تدعم نفسك حقًا لخلق عادة الممارسة"، سواء عنى ذلك تذكير نفسك عدة مرات أو البحث عن مكان ووقت هادئين في منزلك أو مكان عملك للجلوس.

لقد شهدت جها التأثير الإيجابي لتدريب الوعي الآني على العديد من الأشخاص الذين عملت معهم على مدار سنوات. والشيء الوحيد الذي أدهشها هو المرات العديدة التي أكد فيها العسكريون أنّ هذا التدريب قد ساعد في تحسين ليس فقط قدرتهم على العمل تحت الضغط، ولكن أيضًا حياتهم المنزلية. وقد أخبرها الكثيرون أنهم كانوا يجدون صعوبةً في الحضور بعقل واع مع عائلاتهم بعد العودة من وحداتهم. ولكن بعد ممارسة تدريب الوعي الآني، تحسن حضورهم مع أحبائهم - وهو أمر يرغب معظمنا في تحقيقه أيضًا. تقول جها: "الفكرة في أن نكون حاضرين بأذهاننا مع من حولنا عندما نريد ذلك حقًا - وهو أمر غالبًا ما نغفل كيفية تحقيقه". فمن خلال استعادة انتباهنا، يمكننا التواصل بشكل كامل مع الأشخاص المهمين بالنسبة لنا.

للاطلاع على قائمة موارد الوعي الآني من جها، اذهب هنا. لمساعدتك على البدء، فإنها تقترح استخدام التطبيقات Insight Timer، Headspace و10% happier. يمكن العثور على موارد إضافية لدورات الوعي الآني عبر الإنترنت والشخصية على الموقع Center for Healthy Minds، the Penn Program for Mindfulness، the Contemplative Sciences Center، Duke Integrative Medicine، Osher Center for Integrative Medicine في جامعة كاليفورنيا سان فرانسيسكو وسان دييغوCenter for Mindfulness، the UMass Center for Mindfulness، جامعة كاليفورنيا لوس أنجلس  Mindful Awareness Research Center وOsher Center for Integrative Medicine في فاندربيلت.

عن المؤلفة

ريبيكا بارنيت هي منسقة مجتمع المحاضرين في TED وهي .