ريهام فتحي: فراشة المسرح

15 أبريل 2021

"أمسكتُ ورقة التحاليل والأشعة بينما نبضات قلبي تتسارع وشريط حياتي يمر أمامي في لحظات. هل أفتح الظرف وأقرؤه أم أمزّقه؟ وهل أعطيه لزوجي الذي كان يراقبني بنظرة ملؤها الحب والحنان يحاول إخفاءها بداخله؟

كم وقفتُ على خشبة المسرح أمام الآلاف من الناس، وكم لمعت في عيني أضواء الكاميرات. لكن تلك اللحظة لا تعادل ولا تساوي أي لحظة أخرى؛ فبعدها يتغير كل شيء. تمالكتُ نفسي واستجمعتُ قواي وفتحتُ الظرف، وكانت إرادة الله أنني مصابة بسرطان الثدي، ذلك المرض الخبيث. أحسستُ أن الحياة قد توقفت، وأن قداماي لا تقويان على حملي، وانهرتُ من شدة البكاء حتى تمزّقت روحي. لكنني فكرتُ في أبنائي وزوجي وأحبتي، واتخذتُ قراري بأن أقاوم وألا أستسلم، وبدأتُ رحلتي العلاجية".

ريهام فتحي ممثلة مسرح من قطاع غزة، وُلدتْ ونشأتْ في القطاع؛ قوية الشخصية وذات ابتسامة جميلة وروح مرحة، ولديها شغف بالتمثيل والمسرح منذ طفولتها. ولأنها في مجتمع يرى أنه لا يليق بفتاة أن تكون في هذا المجال، بين دراستها الجامعية والالتحاق بعدة دورات تدريبية لتنمية مهاراتها، سنحتْ لها الفرصة بأن تكون مقدمة لإحدى الاحتفالات، الأمر الذي لفت الانتباه إليها وجلب لها عروضًا لأعمال عديدة بسبب قوة أدائها ورزانة أسلوبها وطريقة طرحها للموضوعات. ومن ثم بدأت مسيرتها بالتدريب والبروفة لأدوار مسرحية وتلفزيونية وأفلام.

أبدعت على المسرح إبداعًا فريدًا، وبرعت في تمثيل خمس شخصيات في الوقت نفسه، ولقي أداؤها قبولًا واستحسانًا كبيرًا لدى الجمهور، حتى إن البعض لقّبها بسندريلا المسرح.

تقول ريهام: "للأسف، لم يرافقني أبي لأي عرض مسرحي، إذ لم يكن راضيًا عن التمثيل، غير أنه لم يعترض طريقي. في عرضي الأول لم يكن أحد بجانبي سوى زوجي. بكيتُ يومها فرحًا وحزنًا في الآن نفسه؛ فرحتُ لأنني رأيتُ السعادة على وجوه الجمهور، وحزنتُ لأن أبي لم يحضر، غير أنه كان يشجعني قائلًا: «هذا النجاح نجاحكِ أنتِ، وعليكِ الحفاظ عليه». عندما رحل أبي من هذه الحياة بعد عرضي المسرحي الثاني، أحسستُ أن روحي قد رحلت معه".

اضطرتْ ريهام لخوض عملية استئصال الورم وإكمال علاجها الكيماوي في قطاع يعاني من شح الإمكانات الطبية وقلة العلاج المتوفّر. تمنّت الموت مئات المرات عندما كانت تحترق من آلام العلاج التي تقاسيها طوال الليل لا سيّما بعد الجرعات الكيماوية التي كانت تتلقاها؛ لكنها لم تفقد الأمل، وأخفت معاناتها عن المقربين لها وخصوصًا أبنائها، وكانت تخبرهم أنها تضع غطاء الرأس "التربان" لأنها غيّرت لون شعرها أو لأن عليه صبغة أو لأنها تشعر بالبرد مع أن الجو حار، حرصًا منها على ألا يروا شعرها المتساقط.

تقول ريهام: "إن كوني ممثلة في مجتمع لا يؤمن بإبداع المرأة كمجتمع قطاع غزة يعد معجزة في حد ذاته. تعرضتُ لانتقادات، وفي الوقت نفسه وجدتُ الدعم والسند الذي مكنني من تحقيق هذا النجاح الذي أعيشه".

ترغب ريهام في أن يأتي اليوم الذي تمد فيه يد العون لغيرها من النساء على درب الكفاح والنجاح حتى يحققن أحلامهن، وأن تؤدي عروضًا مسرحية تحاكي الواقع، وأن تسنح لها فرصة التمثيل على مسارح عربية ودولية.

لم يكن سهلًا عليها التوفيق بين أبنائها ومسؤوليات المنزل والمسرح والمرض. أعباء كثيرة أثقلت كاهل هذه الشخصية الضحوكة المرحة التي تميّزت بإصرارها على ألا تفارق الابتسامة وجهها.

تقول ريهام: "اعتذرتُ كثيرًا عن حضور المناسبات؛ إذ لا أرغبُ في أن يسألني الناسُ عن صحتي، لكن ذلك لم يمنعني من الاستمرار في ممارسة حياتي بشكل طبيعي. كنتُ أكتبُ ما أشعر به بيني وبين نفسي لأقوي عزيمتي، لأن نفسيتي إذا تدهورت ستسمح لجسدي بالرحيل.

 اليوم ولدت من جديد، ورحل هذا الضيف الثقيل وأتممت علاجي في القدس وأعتبرُ هذا انتصارًا سأحتفل به بينما أستعد لأعمال مسرحية وفنية جديدة إن شاء الله".

عن المؤلفة

أميرة حرودة هي صحفية مستقلة في قطاع غزة. تعمل بشكل مستمر مع صحفيين دوليين يغطون آخر الأخبار من قطاع غزة. تعاملت مع العديد من الوكالات الإعلامية المرموقة وذات الشهرة العالمية، من بينهم: قناة الجزيرة الدولية، واشنطن بوست (The Washington Post)، ومجلة الجارديان (The Guardian)، و CNN، و TRT World، و Der Spiegel، وغيرها. تعشق أميرة عملها الذي يقربها للناس لتسرد قصصهم وتصور نجاحهم، آمالهم وطموحهم. وتتمنى ان يكون هناك تسليط أكبر على الإبداع الموجود في جيل الشباب الفلسطيني.