الرِداءُ الأخضَر: ماذا لو علِمَت أنَه لا وجود لأبواب مقفلة؟

8 مارس 2021

امتلأ وجهها باللهفة وتسارعت نبضات قلبها وتلألأت عيناها لمّا علمت أنها ستذهب إلى السوق لتشتري ملابس جديدة ولعبة جديدة بمناسبة عيد ميلادها الخامس. كانت هيا تعد الأيام والساعات والدقائق بحماس شديد والإبداع يملأ تفكيرها! تلهفت لاختيار ملابس ملونة، ربما تنورة مزخرفة أو رداء مزركشًا، ثم قفز تفكيرها للعبتها الجديدة. "ماذا يا ترى سأشتري؟ هل سأختار دمية على شكل حيواني المفضل؟ أم دمية تتكلم؟ ماذا لو اخترت دراجة هوائية مزينة بالخرز؟  يا إلهي كم هنالك من خيارات عديدة!"

وصل يوم عيد ميلاد هيا، وذهبت للسوق مع والدتها ووالدها، وبالكاد دخلت أول متجر حتى أصابها الحب من أول نظرة. لمحت عيناها رداءً أخضرً عن بعد، فركضت تجاهه بلهفة ثم توقفت أمامه في دهشة تتخيل نفسها فيه وكأنها شجرة مليئة بالحياة تفوح برائحة الورود يلتف عليها الطيور. تخيلت نفسها حورية تسبح مع الأسماك في الماء. تخيلت نفسها تطفئ شمعات عيدها الخمسة في هذا الرداء وانغمر قلبها الصغير بالفرح.

وإذ بصوت من خلفها يقول: لا يا هيا، الأخضر لا يليق بفتاة، اختاري اللون الزهري أو الأحمر. لا تستطيعين ارتداء هذا للملعب يا هيا، تحتاجين بنطالًا لسهولة الركض. الزركشات والخرز لا تليق بعمرك، أنتي صغيرة على هذه الموضات. لن تستطيعي استعمال الدراجة في حيّنا. لماذا تحبين الزرافة؟ اختاري دمية على شكل حيوان يعيش في بلادنا. وعلى هذا النحو بدأت خيارات هيا تتلاشى منذ سن الخامسة فيما يخص ملابسها وألعابها، واستمر الأمر كذلك في دراستها وعملها، بل وعند اختيار مكان سكنها وهواياتها ورفيق دربها.

كبرنا ونحن نسمع عبارات من قبيل "لا يجوز"، و"لا يليق"، و"لا يناسب"، و"لا تستطيعين"، و"هذا لا يناسب الفتيات". انمحت خيارات عديدة أمامنا نحن الفتيات من الصغر، وأُقفلت أبواب عديدة في وجوهنا. هل سبق لك وأن تخيلت كيف سيكون عالم الفتيات العرب اليوم، أو بالأحرى عالمنا جميعًا، لو اعتدنا أن نقول لهن "لا شيء مستحيل"، أو "أنتن قادة مستقبلكن"، أو "إن وجدتن بابًا مقفلًا أمامكن اذهبن وافتحنه"؟ كيف قد تكون حياتهن لو اعتدنا أن نقول لهن "ما أروعكن بالرداء الأخضر؟"

أقف اليوم وأمامي نساءٌ عرب مهّدن طريقهن بفتح أبواب كانت يومًا "مقفلة". أرى شمس أنهت دراسة طب وجراحة الأسنان وأعلنت خطبتها قبل أيام. وأرى سميرة بعد وفاة والدها اعتنت بأخواتها الخمسة وتميّزت في عملها. وأرى آية بعد طلاقها عرفت نفسها من جديد وبدأت حياةً مليئة بالثقة والسعادة. وأرى سارة تعلمت ركوب الدراجة الهوائية في سن الخامسة والثلاثين. وأرى مايا تزوجت عن عمر يناهز الحادية والعشرين وما زالت على علاقة حب مع زوجها بعد ٤٠ سنة. وأرى سعاد بدأت تمارين بعد إصابة في ركبتها والأن تدرس بنادٍ رياضي في عمر الثامنة والثمانين. وأرى سميرة تعمل بشغف في محطة وقود لتحسّن ظروف حياتها.

أرى نفسي اليوم محاطة بحب كثيرين وأهمهم عائلتي، ناجحة في عملي وأدرس اليوغا في وقت فراغي. تخرّجتُ بماجستير الأعمال من واحدة من أقوى جامعات العالم، وعشت في ١٠ بلدان مختلفة، وزرت أكثر من ٤٥ بلدًا وما زال درب سفري في بدايته، وتكلمتُ عن شغفي حول المياه على منصة TED. وعلى الرغم من أنني غير مرتبطة في سن الرابعة والثلاثين، لا زلتُ أريد أن أبني أسرة، ورغم كل التحديات أجد لدي الوقت والشغف لأدعم العديد من النساء من مختلف أنحاء العالم في مجموعة "لها" التي أسستُها. أرى قلبي يغمره الفرح كلما واجهتُ بابًا مقفلًا وفتحته.

من قلبي لكل امرأة عربية أقول: ما أروعكِ بالرداء الأخضر!

يمكنك مشاهدة محاضرة لانا مزاهرة هنا:

عن المؤلفة

 لانا مزاهرة امرأة عربية طموحة وشغوفة ومفعمة بالحيوية، جعلت أحد أهدافها في الحياة إلهام النساء نحو ما من شأنه أن يجلب لهن السعادة الحقيقية. نشأت في الأردن، ثم عاشت في بلدان عربية عديدة قبل أن تنتقل إلى جنوب إفريقيا في 2016، حيث عملت في مجال الاستشارات. وفي العام 2020، قادها الطريق إلى ألمانيا، حيث تتولى حاليًا إدارة التسويق وتوسيع الأعمال في "أمازن فليكس" (Amazon Flex) بمختلف أنحاء أوروبا الوسطى. حصلت على درجة الماجستير في إدارة الأعمال من جامعة "إنسياد" (INSEAD) في العام 2014، كما حضرت برنامجًا تنفيذيًا في استراتيجية التأثير الاجتماعي بجامعة بنسلفانيا في العام 2019. تحب لانا ممارسة اليوغا وتعليمها، والتنزه مع كلبها في الطبيعة، واستكشاف العالم سواء على البر أو في البحر، إضافةً إلى البحث المستمر عن أفكار تستحق المشاركة!