ألعاب الفيديو ليست مَضْيعَة لوقت أطفالكم. إليكم فوائدها

13 يوليو 2020

ثوكا ماير

في أحد الأمسيات، ناديت أبنائي مرات عديدة لتناول الطعام ولكن لم أتلق ردًا. 

انتابتني حالة من الغضب، سِرْتُ مسرعة إلى غرفتهم وأغلقت جهاز ألعاب الفيديو. 

وكأنها نهاية العالم قد حلت بنا، فبمجرد أن أظلمت الشاشة أمام أبنائي، تملكهم غضب شديد مني. مجبرين ساروا معي إلى مائدة الطعام. خطوتي التالية التي اعتدتها قبل ذلك ردًا على سلوكهم هي توبيخهم، قائلة:" أنتم تضيعون وقتكم في ألعاب الفيديو". 

هذه المرة، اتخذت مسارًا مختلفًا، قررت أن أكون فضولّية، وابتعدت عن النقد المعتاد، فسألتهم: "لماذا تمثل لكم ألعاب الفيديو كل هذه الأهمية؟".

سعدت بنفسي لأنني تحدثت إليهم وطرحت عليهم هذا السؤال. فوجئ أبنائي وردوا متسائلين: "أحقًا تريدين أن تعرفي؟". 

فأجبتهم: "نعم!".

فقالوا: "جميع من نعرفهم يلعبون ألعاب الفيديو".

هذه ليست مبالغة منهم، لأن على هذا الكوكب 2.5 مليار من هواة ألعاب الفيديو، وذلك حسب جمعية البرمجيات الترفيهية (اللاعب أو "الجيمر" هو أي شخص يلعب ألعاب الفيديو). هذا. الرقم يمثل حوالي ثلث البشرية! 

ساعدني أبنائي في اكتشاف عالم بأكمله كنت أجهله تمامًا، وبالتالي أجهل كيف أربي أبنائي في ظلال هذا العالم. إن ألعاب الفيديو اليوم أصبحت تجربة ترفيهية تفاعلية تربط بين لاعبين متعددين متواصلين عبر الإنترنت؛ إنها ألعاب تحث على المنافسة، وحل المعضلات، وتشتمل على الألغاز، واستخدام العقل والمنطق في الوصول إلى الحلول. كلها أمور جيدة، أليس كذلك؟ بل وتحتوي أيضًا على مناقشات، وثقافة، وتاريخ، وألحان موسيقية، وفن، وحوار، وخيارات أخلاقية – وهذه أشياء كلها مفيدة نرغب جميعًا في تعليمها لأطفالنا. وبالإضافة إلى ذلك فإن ألعاب الفيديو تتطلب قدرًا كبيرًا من المهارة والتخطيط الاستراتيجي والفلسفة. 

تخيل أنك تقرأ كتابًا جيدًا جدًا، أو تشاهد فيلمًا رائعًا، أو مباراة رياضية، بيد أنك في هذه المرة بإمكانك أن تشارك وتتلاعب وتتفاعل وتنافس الآخرين عبر الإنترنت، وهذا ما تجده بالفعل في ألعاب الفيديو الحديثة. 

لم يكن هذا هو الدرس الوحيد الذي تعلمته في تلك الأمسية، حيث استفاض الأولاد في تعليمي المزيد عن ألعاب الفيديو. على سبيل المثال، قالوا لي إنهم حصلوا على عقوبة "إيقاف" حين أغلقت الجهاز فجأة وهم يلعبون. وقالوا موضحين: "لدينا مسؤولية يا أمي وأنت لا تنفكين عن مطالبتنا بإيقاف اللعبة. بكل صراحة يا أمي، لا يمكنك إيقاف لعبة عبر الإنترنت".

استطرد الأولاد، قائلين: "نعاني ألمًا حقيقيًا عندما تطلقين علينا ألقابًا محبطة مثل "فاشلين" و"منزوين". بينما نحن في الحقيقة عندما نضع سماعات الأذن لنلعب لعبة فيديو حيّة متعددة اللاعبين نقابل أصدقاء جدد وحقيقيين". 

كان ذلك هو اليوم الذي فتح فيه أبنائي عيناي أمام حقيقة صادمة. فعندما فكرت قليلًا اتضح لي أنني أنعزل كثيرًا عن أبنائي في أثناء إعداد الطعام في المطبخ، أكثر من أبنائي وهم يلعبون ألعاب الفيديو في غرفهم. وهكذا بدأت في قبول صفة أبنائي كلاعبي ألعاب الفيديو، وأصبحت أناديهم للطعام صائحة: "اقترب وقت العشاء، في أي مرحلة من اللعب أنتم؟". وعندما يأتيني منهم الرد أقوم بالتعديل اللازم، ثم نتناول جميعًا وجبتنا العائلية في هدوء وطمأنينة كما أردت من البداية. 

في إحدى المرات، جاءني ابني الأكبر كونر قائلًا: "ماذا عليّ أن أفعل حتى تتركيني وشأني بعد الساعة الثالثة مساءً اليوم؟". خطر لي أن أنتهز هذه الفرصة لصالحي، فكتبت له قائمة بالمهام التي يجب عليه الانتهاء منها قبل الثالثة وهي القيام بالواجبات المدرسية، والتفاعل مع جدته خلال تناول طعام الغداء، بل وأضفت مهمة نزع الحشائش الضارة من الحديقة إلى القائمة. وفعلًا، قام بإنجاز مهامه كلها، قائلا: "عظيم. الآن كل ما أريد التركيز فيه هو تحقيق المستوى الأعلى".

في عالم ألعاب الفيديو توجد مستويات وبطولات ومكافآت يكسبها اللاعبون، وإن كانت هذه أشياء مهمة بالنسبة لابني، فيجب أن تكون مهمة بالنسبة لي أيضًا. هذا بالتحديد ما يقوله الدكتور كريس هاسكلن عن أبطال الرياضات الإلكترونية وهو أستاذ مساعد ومدرب الرياضات الإلكترونية بجامعة بويز. فهو يبحث بين لاعبي ألعاب الفيديو عن هؤلاء الذين لديهم قابلية لتحسين مستواهم في اللعب، ولديهم أهداف يسعون لتحقيقها. والحقيقة أن كثيرًا من الجامعات أصبحت الآن تقدم منحًا دراسية للمتفوقين في الرياضة الإلكترونية. كما أصبحت هناك وظائف في الجيش وفي صناعات أخرى تعتمد على نظم محاكاة تشبه ألعاب الفيديو. 

أصبحت أتعامل مع ألعاب الفيديو مثل أي رياضة تتطلب مواظبة على التمرين. فكر في الأمر، هل اصطحبت طفلك إلى تمرين كرة القدم أو البيسبول ثم صحت مطالبًا المدرب بوقف التمرين لكي يقوم الطفل بأحد الأعمال المنزلية؟ بالطبع لا! ولهذا أخترت أن أترك أطفالي يلعبون بدون مقاطعة طالما قاموا بمسؤولياتهم أولًا. 

ألعاب الفيديو توحد العالم بلغتها المشتركة ونظام الفريق. يحب الصغار مشاهدة الآخرين وهم يلعبون ألعاب الفيديو وكنت في السابق انتقدهم في ذلك. ثم أدركت أن زوجي أيضًا يحب مشاهدة الآخرين وهم يلعبون ألعاب الفيديو، فهو مشجع كبير لفريقه الرياضي المفضل. وفي الموسم الماضي، امتدت إحدى المباريات إلى أربع ساعات ونصف. فهل دخلت وألقيت محاضرة على زوجي وقلت له: "أنت تفسد عقلك وتبدد حياتك!"، أم تركته يستمتع بمشاهدة رياضة المحترفين؟ الأمر نفسه ينطبق على ألعاب الفيديو حين يشاهد لاعبون الآخرين وهم يلعبون، فهم في الغالب يشاهدون المحترفين، ويحاولون التعلم منهم والتقاط الأساليب والمهارات التي تفيدهم في الألعاب التي يلعبونها. 

لقد أتيحت لي فرصة مقابلة عدد من محترفي ألعاب الفيديو منذ أن بدأت مناقشة هذا الموضوع مع أبنائي. أحدهم روى لي ما حدث له ذات مرة مع أحد أفراد العائلة، وكانوا يتناوبون الحديث عما يجري في حياة كل منهم. وعندما جاء دوره بدأ يتحدث عن ألعاب الفيديو وحبه لها، فقاطعته إحدى عمّاته بفظاظة قائلة: "لا أحد فينا يهتم بهذا. أخبرنا عن شيء آخر". 

سخر الجميع منه وأحس بالخجل حتى أنه توقف عن الحديث مع عائلته منذ ذلك الحين. لقد مر على هذه الواقعة أكثر من عشرة سنوات كف خلالها ابني عن زيارتهم أو النقاش معهم. مما يجعلني أتساءل الآن، ماذا كان سيحدث إذا ما اختارت العمة أن تظهر فضولًا بدلًا من النقد؟ 

إلى هذا الحد، ربما بدأتم تتساءلون لماذا لم أذكر أي جانب سلبي عن ألعاب الفيديو وأنتم محقون. 

يوجد بالفعل ما يثير القلق في كل ما يتعلق بالتواصل عبر الإنترنت، الأمر الذي يزيد من أهمية أن نشارك الأطفال حياتهم في عالم ألعاب الفيديو. ففي بيتي، استمر الحوار قائمًا بيني وبين أبنائي فيما يتعلق بسلوكيات التواصل عبر الإنترنت والتوازن في الأنشطة. والآن وبعد مرور سنوات، عرفت أن ابني الأصغر لا زال يلعب ألعاب الفيديو مع أخيه الأكبر رغم وجود آلاف الكيلومترات بينهما، الأمر الذي غمرني بالسعادة. فقد أبقت ألعاب الفيديو على القرب بينهما. 

نصيحتي هي "تحلّوا بالفضول"، وهذه النصيحة ليست موجهة للآباء فقط، ولكني أوجهها أيضًا للأجداد والأعمام والخالات والأصدقاء ومديري المدارس. 

إليكم هذا الحل البسيط. ابدأوا الحوار مع أطفالكم الذين يلعبون ألعاب الفيديو بهذه الأسئلة الثلاثة:

  • ما هي ألعاب الفيديو التي تلعبها؟
  • لماذا تستمتع بهذه الألعاب بالذات؟
  • أيمكنني المشاهدة في أحد المرات؟

إن إبداء رفضنا لألعاب الفيديو قد يعرضنا لفقدان التواصل مع أهم الناس في حياتنا وأحبهم لنا. 

هذه المقالة مستقاة من محاضرة TEDxIdahoFalls Talk. يمكنك مشاهدتها هنا:

 

عن المؤلفة

عن المؤلفة : كارا لين مدربة متخصصة في التواصل، ومتحدثة تحفيزية، ومؤلفة.