اجلب الراحة لنفسك وقاوم الاكتئاب والتوتر: أنت بخير
مانشين لو
مع توالي العصور والأزمان، تطورتْ أدمغتنا للحفاظ على جنسنا البشري، ومن أشكال هذا التطور ذاك الشعور الداخلي بالقلق الذي يلازمنا كثيرًا. يهمس هذا القلق داخلك بأن عليك الحذر من المشكلات التي ربما تحدث في عوالمك الداخلية والخارجية.
هذا الشعور المستمر بالقلق واليقظة تحسبًا لأي شيء هو شعور تلقائي اعتدناه نحن البشر لدرجة أننا ننسى وجوده تمامًا.
حاول ضبط التوتر والقلق الكامن داخل جسمك. قد يكون ذلك عبارة عن يقظة توجِّه انتباهك نحو بيئة معينة أو فئة من الناس من حولك، أو حاجز يمنعك من أية محاولة للاسترخاء والكف عن الحذر.
إن الوضع الطبيعي للدماغ يفرض اليقظة والانتباه الدائمين، وهذا منطقي بالنسبة للكائنات الحيّة؛ إذ إنه يجعل القرد مثلًا في حالة تأهب دائمة إزاء الحيوانات المفترسة، وهذا الحذر يؤدي دورًا حاسمًا في بقائه على قيد الحياة. لكن نمط الحياة هذا مكلف جدًا بالنسبة للإنسان.
يؤثر القلق المستمر سلبًا على صحتك النفسية، ويسبب شعورًا بالاكتئاب والتوتر، ويُبعدك عن الأمور المهمة. وفوق كل شيء، هو شعور مبني على الوهم.
سيهمس لك الشعور بالقلق المستمر عبارات متكررة مفادها أنك "لست في مأمن، بل أنت في خطر محدق، ولا يجدر بك أن تغفل أبدًا."
لكنك إذا كنتَ حاضرًا في "الآن"، أي في اللحظة الراهنة، وتأملتَ مشاعرك وحالتك النفسية التي أنت عليها حاليًا، فستلاحظ على الأرجح أنك على ما يُرام. لستَ في خطر، ولستَ مريضًا، وليس ثمة أزمة أو ضائقة تحيط بك.
قد لا تكون نفسيتك في أحسن حال، ولعل هناك أمورًا تشغل عقلك؛ لكنك الآن بخير.
حين أقول "الآن"، فأنا أتكلم عن هذه اللحظة الراهنة. إننا عندما نشغل تفكيرنا بالمستقبل، نبدأ في التخطيط له وينتابنا شعور بالقلق والتوتر؛ وعندما نقيده بالتفكير في الماضي، نشعر بالامتعاض والندم؛ كيف لا، وخيوط الخوف لا يحيكها سوى أحداث الماضي وهموم المستقبل.
حاول تحقيق الحضور الكامل في اللحظة الراهنة، واسأل نفسك: "هل أنت في هذه اللحظة على ما يرام؟ هل تتنفس؟ هل قلبك ينبض؟ هل دماغك يعمل؟"
يمكنك الوصول الى هذا الشعور العميق بالطمأنينة حتى عندما تكون منشغلًا في حياتك اليومية. وهذا لا يعني البتة أن تتجاهل المخاطر أو التحديات أو التهديدات، كما لا يعني أن تتظاهر بأن كل شيء على أفضل حال؛ فالأمر ليس كذلك.
في ظل ما يحدث من حولك، بإمكانك استشعار حقيقة أنك بخير في هذه اللحظة بالذات.
لاحظ بأنك على ما يرام مرات عديدة خلال يومك. لربما ينتابك شعور في تلك اللحظة بالرغبة في مزيد من الاستقرار، أو الحب والدعم، أو حتى مزيد من الكاتشب للبطاطا المقلية. وقد تكون بحاجة للتحرر مما يقلقك ويسبّب لك الألم والكآبة أو التوقف عن العمل لأخذ قسط من الراحة. كل تلك المشاعر منطقية ولا يمكن نكرانها.
لكن ورغم تلك المشاعر المختلطة التي تتقاذفك كلها، أنت بخير. خلف رغباتك وأنشطتك تقبع حياة ووعي يبدوان بأحسن حال في اللحظة الراهنة.
لاحظ بينما تعد طعام العشاء أنك الآن بخير، واهمس بذلك لنفسك.
قل لنفسك وأنت تقود السيارة: "أنا الآن بخير وعلى ما يرام."
قل لنفسك وأنت تتحدث مع شخص ما عبر محادثة فيديو: "أنا الآن بخير وعلى ما يرام."
قل لنفسك وأنت تكتب بريدًا إلكترونيًا أو تضع طفلك في فراشه: "أنا الآن بخير وعلى ما يرام."
لاحظ أنه رغم شعورك بالطمأنينة والراحة في هذه اللحظة الراهنة، لا يزال بإمكانك أداء مهامك ومواجهة مشكلاتك. فكرة أن الشعور بالطمأنينة والراحة سيجعل الأمور أسوأ مما هي عليه لا أساس لها من الصحة. حاول إقناع نفسك بأن الشعور بأنك بخير وعلى ما يرام لا يستدعي شعورًا مرافقًا بالخوف من أن تسوء الأمور.
ستمر بك أوقات لا تكون فيها بخير على الإطلاق. فربما تجد نفسك وسط دوامة من مشكلات تقلقك بشدة. في هذه الحالة لستَ على ما يرام، وعليك أن تفعل ما بوسعك للخروج من المأزق.
ولكن لاحظ في أقرب فرصة ممكنة أن جوهر كينونتك بخير، تمامًًا كالمكان الهادئ القابع في عمق البحر تحت عاصفة قوية على السطح.
ملاحظة أنك بخير في هذه اللحظة بالذات لن تجعل الحياة وردية وإيجابية من حولك. أدرك فقط حقيقة بسيطة وعميقة في الوقت نفسه: "في اللحظة الراهنة، أنت بخير وعلى ما يرام".
أنت تشعر بالحقيقة السارية داخل جسمك على مستوى أعمق من الخوف: أنك تتنفس وعلى قيد الحياة وبخير. تدرك الآن جيدًا بأن ذهنك على ما يرام بغض النظر عن الأمور التي تشغله.
الاعتماد على هذا الشعور العميق بأنك على ما يرام طريقة فاعلة لدعم جودة العيش وتحسين نمط حياتك وعلاقتك بنفسك. كل هذا وذاك متأصل في حقيقة أنك بخير حاليًا.