كيف تروض وحش النصيحة بداخلك

18 مايو 2020

تحدثت مع صديقةٍ لي منذ فترة؛ وهي سيدة ذكية ورائعة وموهوبة.

وبعد أن تبادلنا عبارات الود، نظرت إلي وقالت: "مايكل، أنت رجل طيب، أحتاج إلى نصيحتك".

فسُرّ وحش النصيحة بداخلي.

بدأتْ تخبرني بما لديها، وبدأتُ أتظاهر بالإنصات، لأن وحش النصيحة بداخلي كان بصراحة يعرف بالضبط ما أردت أن أقوله لها.

ولما انتهت، أخبرتها بنصيحتي الرائعة - وقد كنت متأكدا من أنها رائعة بلا أدنى شك، ولكن نصيحتي لم تلق قبولاً لديها؛ وهكذا أفسد وحش النصيحة لقائنا.

كل واحد منكم يعرف وحش النصيحة الخاص به. يبدأ أحدهم الحديث معك حول أمرٍ ما؛ وأنت بالطبع لست مدركًا لحقيقة الموقف أو لطبيعة الأشخاص المعنيين به، ولست ملما بالسياق الذي جرت فيه الأحداث، ولكن لا تكاد تمرُّ 10 ثوانٍ حتى يظهر وحش النصيحة داخلك قائلا: "أوه، لدي شيء أقوله في هذا الشأن".

إن المشكلة لا تتعلق بإبداء النصيحة، وإنما تتعلق بالنصيحة حين تصبح ردًا روبوتيّا مبرمجا شبيها بالإعدادات الافتراضية للحواسيب؛ ثمة ثلاث حالات يصبح فيها إبداء النصيحة أمرًا سيئًا.

الحالة الأولى هي أننا غالبًا ما نعالج المشكلة الخطأ. الاعتقاد دائمًا بأن التحدي الأول الذي نراه أمامنا هو التحدي الحقيقي – ولكن الأمر ليس كذلك في الغالب.

الحالة الثانية هي أن نصيحتنا ليست جيدة كما نعتقد. إذا كنت تعتقد أنّ نصيحتك رائعة للغاية، فإني أنصحك بمشاهدة فيديو عن التحيز الإدراكي، يوضح إلى أي مدى نعتقد أننا رائعون في أمورٍ ما، بينما نحن في الحقيقة لسنا كذلك.

الحالة الثالثة هي أن نصيحتنا تسبب جرحًا نفسيًا للآخر. إذا كان ثمة وحش نصيحة بداخلك - وجميعنا لدينا هذا الوحش - فإنّ تحمل مسؤولية الرد على جميع الأسئلة وإنقاذ الشخص والموقف أمر مرهق ومحبط ومربك إلى حدٍ كبير، وبالنسبة لمتلقي النصيحة، فإنّك تعطيه الانطباع بأنه عاجزعن اكتشاف هذه الحلول بنفسه، مما يقلل من إحساسه بالثقة والاستقلالية.

نحن نطعم وحوش النصيحة داخلنا باستمرار، ولكنها لا تشبع. ما إن يبدأ شخصٌ ما في الحديث، حتى يظهر وحش النصيحة داخلك ويقول "أوه، هذا النقاش يحتاج إلى إضافة قيّمة منّي. بالفعل، هذا ما ينقصه بالضبط"! ينبغي لك أن تتعلم كيف تُروِّض هذا الوحش، ولكي تروضه، عليك أن تفهمه أولاً.

يتبين مما سبق أنّ وحش النصيحة يمتاز بثلاث شخصيات مختلفة.

الشخصية الأولى تُدعى "قُـل النصيحة". إنّ شخصية "قُـل النصيحة" هي الأكثر صخبًا بين الشخصيات الثلاث؛ فهي تقنعك دائمًا بأنّ الطريقة الوحيدة لإضافة قيمة إلى أي حوار هي أن تكون لديك إجابة على كل شيء؛ لأنك لو لم تفعل فستكون فاشلاً.

الشخصية الثانية تمتاز بالبراعة وتُدعى "أنقذ الموقف". تلفّ شخصية "أنقذ الموقف" ذراعها حولك وتقول: "مهمتك الوحيدة هي إنقاذ الجميع - لا تدع أي شخص يتعثر أو يكابد أو يمر بوقت عصيب، فإذا حدث ذلك، ستكون فاشلاً". ولعلّ الآباء والأمهات هم الأقدر على معرفة هذه الشخصية.

أما الشخصية الثالثة - وهي الأكثر مكرًا بين الثلاث - فتُدعى "سيطر". تقنعك شخصية "سيطر" بأن السبيل الوحيد للفوز هو إحكام السيطرة في جميع الأوقات؛ فإذا انتزع شخص آخر زمام السيطرة، حتى لو قليلاً، ستفشل أنت وهو بكل تأكيد.

ثمة شيء يربط بين الشخصيات الثلاث. عندما يتحدث وحش النصيحة الخاص بك، فإنه يقنعك بأنك أفضل من غيرك، وأن الشخص الآخر ليس جيدًا بما فيه الكفاية، ولكن هذه النظرة الدونية لا تنال من هذا الآخر فحسب، وإنما تنال منك أيضًا؛ ذلك أنّك تفقد الصلة بإنسانيتك وتعاطفك ورحمتك وإحساسك بالضعف.

لترويض وحش النصيحة بداخلك، فإن كل ما عليك فعله هو استبدال عادة النصح بعادةٍ أخرى: حافظ على فضولك. الأمر بهذه البساطة، رغم صعوبته.

ويمكنك المحافظة على فضولك بطرح الأسئلة؛ اسمح لي أن أشاركك الأسئلة الثلاث التي كنت أتمنى لو أنني  طرحتها على صديقتي عندما طلبت مني النصيحة.

السؤال الأول هو: "ما التحدي الحقيقي الذي يواجهك هنا؟" يدل هذا السؤال على أنّ كلاكما لا يعرف حقيقة ما يجري في بداية المحادثة، كما أنّه يضعك في الوضع المناسب لمساعدة الشخص الآخرعلى تحديد الأبعاد الحقيقية للمشكل، ويجنّبك بذلك خطر إعطائه مجرد رد سريع وخاطئ.

السؤال الثاني هو: "ماذا أيضًا؟" يشير هذا السؤال إلى أنّ الرد الأوليّ  الذي سيقدمه صديقك لن يكون أبدًا الرد الوحيد ولا الرد الأفضل في الغالب، وهذا من شأنه أن يساعدك على التعمق أكثر وأكثر في أي سؤال تطرحه.

أما السؤال الثالث، فهو صعب ولكنه عميق: "ماذا تريد؟" عندما يدرك الشخص ما يريد ويفصح عنه بوضوح، فإنه بذلك يضع الأساس اللازم للتحرك وإيجاد الحل المناسب، ويصبح قادرًا على المضي قدمًا بثقة واستقلالية.

عندما تحافظ على فضولك، فإنك تدعم الآخر لا بإعطائه الجواب الذي يريده، وإنما بمساعدته على إيجاد الجواب بنفسه؛ لا بإنقاذه، وإنما بمساعدته على إيجاد طريقه.

عن المؤلف

مايكل بنغاي ستانيير هو مؤسس Box of Crayons، وهي شركة للتعلم وتنمية الموارد البشرية تساعد المنظمات على التحول من الاعتماد على النصائح إلى الاعتماد على الفضول. وهو أيضًا مؤلف كتاب The Coaching Habit الذي حقق مبيعات جيدة، قبل تأسيس Box of Crayons، شغل مايكل مناصب عليا في مجالات الشركات والاستشارات والوكالات، وقد سبق له العيش والعمل في أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة وكندا.