تسع حقائق مدهشة حول مقاومة المضادات الحيوية والطريقة الفاعلة الوحيدة للتغلب على ذلك

24 يوليو 2020

ألفارو دومينغيز

تخيل لوهلة أن تعيش في عالم لا يمكن فيه علاج التهاب الحلق أو تكون الإصابة بجرح طفيف خطًا فاصلًا بين الحياة والموت حتى في البلدان المتقدمة التي تتمتع بالأنظمة الصحية المتطورة.

هذا السناريو مستبعد، ورغم ذلك فإنه هو السيناريو الذي ستؤول إليه الأمور إذا فقدت المضادات الحيوية لدينا قدرتها على علاج الالتهابات البكتيرية. لسنوات عديدة، يحذرنا العلماء من هذا السيناريو ويلفتون انتباهنا إلى الارتفاع المهول والمقلق في أعداد البكتيريا المقاومة للأدوية؛ لذا لا ينبغي أن يكون هذا هو المصير الذي تؤول إليه مقاومتنا للالتهابات البكتيرية.

فيما يلي تسع حقائق عن المضادات الحيوية وكيف جرى اكتشافها، وكيف تعلّمت البكتريا التغلب عليها، وكيف يمكن لفكرة جريئة، مدعومة من "أوديشوس بروجيكت" (Audacious Project) برعاية TED، أن تساعدنا في معالجة هذه الإشكالية.

لنبدأ من حيث بدأت القصة، كيف وصلنا إلى ما وصلنا إليه؟

 1. جرى اكتشاف البنسلين بفضل عالم كان في عطلة وشرطي كان يزرع الورود

البنسلين هو أول مضاد حيوي جرى استعماله على نطاق واسع منذ اكتشافه عام 1928، وقد أحدث هذا المضاد الحيوي ثورة في مجال الطب لكونه يعالج أمراضًا عديدة كالتهاب الحلق والتهاب السحايا وغيرها؛ لكن اكتشاف البنسلين جاء نتيجة لمجموعة من الصدف.

قضى عالم البكتيريا ألكسندر فلمنج عطلته الصيفية ثم عاد بعدها إلى مختبره في مدينة لندن. ولدى عودته للمختبر أدرك أنه كان قد نسي أن يضع أحد الأطباق المسطحة الدائرية في الحاضنة. لاحظ فلمنج نمو عفن فطري غير اعتيادي على الطبق، كما لاحظ موت الخلايا العنقودية التي كان يدرسها والتي كانت محيطة بذلك العفن. أطلق فلمنج اسم "البنسلين" على العفن، وقضى ما يزيد على عقد من الزمن مجتهدًا في محاولة عزل المادة النشطة منه.

وسيرًا على نهج ألكسندر فلمنج، عزمت طائفة من علماء الكيمياء الحيوية من جامعة أكسفورد، وهم: هوارد فلوري وإرنست تشين ونورمان هيتلي، على الاستمرار في تطوير البنسلين الذي اكتشفه فلمنج. وفي العام 1940، تمكنوا من تنقية البنسلين وعزله. في البداية اختبروه على الفئران، وبعد ذلك جرت تجربته على أول بشري، وكان شرطيًا مصابًا بالتهاب بكتيري خطير جرّاء خدش أصابه من شجيرة ورد في حديقته.

خلال تلك الفترة، كانت إنجلترا في خضم الحرب العالمية الثانية. ووفقًا لكتاب "العفن الفطري في المعطف المخبري للدكتور فلوري" (The Mold in Dr. Florey's Lab Coat)، وضع علماء من جامعة أكسفورد خطة في حال تعرّضت إنجلترا للغزو من قِبل ألمانيا. وكانت الخطة هي فرك أبواغ البنسلين بمعاطفهم المختبرية لكي يتمكنوا من مواصلة بحوثهم إذا ما اضطروا للفرار.

لم تتسن لهم الفرصة لتنفيذ خطتهم، بيد أن فلوري وهيتلي تمكّنا من إيجاد مصدر خارجي يساعد في إنتاج البنسلين بكميات كبيرة. وقد عملا مع شركات الأدوية والحكومة الأمريكية لتطوير طرق لتوفير البنسلين على نطاق واسع. وبحلول عام 1943، أضحت الولايات المتحدة الأمريكية تزوّد جميع قوات الحلفاء بهذا الدواء المعجزة، ما منحهم قدرة كبيرة على معالجة الإصابات الحربية.

2. عُثِر على معظم المضادات الحيوية الحالية في الأوساخ بمساعدة الطيارين والمُبشّرين

شكّل اكتشاف البنسلين بدايةً لعصر ذهبي شهد اكتشاف المضادات الحيوية، حيث سارع العلماء إلى تحديد المواد ذات الخصائص المشابهة. ففي جامعة روتجرز (Rutgers)، قام سلمان واكسمان، الذي كان طالبًا في مجال الزراعة ثم أصبح عالمًا في الأحياء الدقيقة، باختبار 10 آلاف عينة من التربة بطريقة منهجية مذهلة على طول مساره المهني. وبعد جهد جهيد، تمكن في العام 1943 من اكتشاف الستربتومايسين، وهو مضاد حيوي أثبت كفاءته ضد مرض السل.

جذب هذا العمل اهتمام شركات الأدوية والتي شرعت أيضًا في إجراء البحوث ذات الصلة بعلوم التربة. وقد أشارت صحفيّة الصحة العامة مارين ماكينا بأن شركة "فايزر" (Pfizer) كلفت الطيارين والمستكشفين والمراسلين الأجانب بإرسال عينات من التربة في أثناء سفرهم، كما أبرمت شركة "إلي ليلي" (Eli Lilly) اتفاقًا مع التحالف المسيحي والتبشيري (Christian and Missionary Alliance) ليقوم أعضاؤها بالشيء نفسه. وكذلك طلبت شركة "بريستول مايرز" (Bristol-Myers) من مسهميها إرسال عينات عن طريق البريد أينما ذهبوا.

كانت هذه الوسيلة فاعلة لعقود، ومهدت لظهور العديد من المضادات الحيوية الجديدة. ولكن مع حلول منتصف السبعينات، وجد الباحثون أنفسهم أمام التركيبات والجزيئات نفسها مرارًا وتكرارًا من دون أي جديد يذكر.

3. تباطأ اكتشاف أنواع جديدة من المضادات الحيوية، وبالمقابل أصبحت البكتيريا أكثر مقاومة للأدوية الموجودة

على مدار الأربعين عامًا الماضية، ركز العلماء على طرق حديثة كالتسلسل الجيني لتحديد واكتشاف مضادات حيوية جديدة؛ لكن هذه العملية بطيئة ومكلفة. فوفقًا لماكينا، تكلف هذه العملية حوالي مليار دولار للدواء الواحد؛ في حين أن النتائج التي تُسفر عنها قليلة نسبيًا.

وفي الوقت نفسه، تستمر البكتيريا في تطوير طرق وعوامل مقاومة للأدوية؛ فمن المعروف علميًا أن البكتيريا تطوّر مقاومة ضد المضادات الحيوية تمنعها من إلحاق الضرر بخلاياها، بل وتزداد كفاءة البكتيريا كلما طورت استراتيجيات مُقاوِمة جديدة. وكما شرحت ماكينا في خطابها على منصة TED، جرى استخدام عقار "فانكومايسين" لأول مرة سنة 1972، وبعد ذلك تطورت البكتيريا المقاومة له سنة 1988. وظهر "الإميبينيم" سنة 1985 لتُكتشف البكتيريا المقاومة له في 1998. ومؤخرًا، ظهر "دابتومايسين" سنة 2003، وظهرت البكتيريا المقاومة له مع حلول عام 2004.

4. يُسرِّع استخدام المضادات الحيوية في حدوث الطفرات البكتيرية

عندما تهاجم المضادات الحيوية الخلايا البكتيرية، فإنها بذلك تسهم في حدوث طفرات. وإذا لم تتمكن المضادات الحيوية من القضاء على البكتيريا بشكل فوري، فإن الخلايا البكتيرية تُصارع من أجل البقاء، ومن ثم يزيد استخدام المضاد الحيوي من احتمالية تحوِّر الخلايا البكتيرية وإكسابها مزيدًا من خصائص المقاومة.

علاوةً على ذلك، يمكن للخلايا التي تتمتع بخصائص المقاومة تمرير بنيتها الجديدة الى مثيلاتها بسرعة مذهلة، حيث تولِّد البكتيريا جيلًا جديدًا كل 20 دقيقة، وتستطيع أيضًا تمرير سمات المقاومة إلى البكتيريا الأخرى. وكما قالت ماكينا في خطابها على منصة TED: "يمكن للبكتيريا أن تمرر حمضها النووي بعضها لبعض كالمسافر الذي يسلم حقيبة سفره في المطار. وإذا لم نسيطر على هذه المقاومة، فلن نعرف إلى أي حد ستنتشر البكتيريا ذات الخصائص الجديدة".

كما يمكن لهذه الخصائص المقاومة أن تتكتل، لذا نجد تصنيفات عديدة من الخلايا البكتيرية تتمتع بمقاومة تجاه المضادات الحيوية، وهذه البكتيريا التي يصعب قتلها هي ما يُطلق عليه وصف "الجراثيم الخارقة" الذي ربما سمعت عنه من قبل.

5. المقاومة الناتجة عن استخدام المضادات الحيوية ظاهرة طبيعية، لكن استخدامها بشكل مفرط يجعل المهمة أصعب

نظرًا لسرعة تكوين البكتيريا لخصائصها المقاومة، فإن أفضل طريقة لضمان الفاعلية المستدامة للمضادات الحيوية هي استخدامها باعتدال وعند الضرورة فقط، لكننا لا نعتمد هذه الاستراتيجية على الرغم من بساطتها.

في بعض البلدان يمكن الحصول على المضادات الحيوية بدون وصفة طبية، وفي أوروبا وأمريكا الشمالية يتم وصف المضادات الحيوية من قبل الأطباء بشكل مفرط، كما يضغط المرضى على الأطباء للحصول على المضادات الحيوية حتى عندما يتعلق الأمر بالأمراض البسيطة التي يمكن أن تُعالج بطريقة طبيعية كنزلات البرد أو بعض الفيروسات. ووفقًا للمركز الأمريكي للسيطرة على الأمراض، فإن 30 بالمائة من وصفات المضادات الحيوية المكتوبة في عيادات ومستشفيات الولايات المتحدة وصفات غير ضرورية.

6. تسهم المضادات الحيوية المستخدمة في المواشي والصابون المضاد للبكتيريا في زيادة المقاومة

في الولايات المتحدة، تُستخدم 70 في المائة من جميع المضادات الحيوية المتوفرة في المزارع لمحاربة العدوى عند الماشية وتحسين نموها، وتستخدم أيضًا في تربية الأسماك والروبيان، وفي زراعة الفاكهة كالتفاح والكمثرى والحمضيات على الرغم من أن استخدامها لهذه الغاية ليس ضروريًا.

وفي الوقت نفسه، يتزايد استخدام المستهلكين للصابون المضاد للبكتيريا لا سيّما خلال جائحة كوفيد-19، حيث يستخدم الكثيرون معقم اليدين ومناديل التطهير بشكل متكرر ومستمر. هذا هو الإجراء الصحيح الذي ينبغي اتخاذه عندما يمثل الفيروس تهديدًا، لكنه ربما يؤدي إلى تعزيز المقاومة لدى البكتيريا على المدى الطويل.

7. يتزايد عدد الوفيات باستمرار بسبب الأمراض المقاومة للمضادات الحيوية

وفقًا لتقرير منظمة الصحة العالمية في عام 2019، يموت ما لا يقل عن 700 ألف شخص بسبب الأمراض المقاومة للأدوية كل عام. ويُحتمل أن يزداد عدد الوفيات إلى 10 ملايين سنويًا بحلول عام 2050، ومن ثم تصبح العدوى المقاومة للمضادات الحيوية أكثر فتكًا من السرطان.

أي أننا ربما نجد أنفسنا عمّا قريب في عالم مختلف تمامًا تكون فيه العلاجات المكتشفة في القرن الماضي بلا جدوى.

8. لكن هناك خبر سار وهو أن الذكاء الاصطناعي قد ساعد في اكتشاف أول مضاد حيوي جديد واسع الطيف منذ عقود

انبثق أمل جديد من أعمال مختبر كولنز (Collins Lab) بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا بقيادة عالم الأحياء الاصطناعية جيم كولنز، حيث أخذ المختبر على عاتقه مهمة تسريع عملية اكتشاف مضادات حيوية جديدة وسد النقص الحاصل فيها، واعتمد في مهمته تلك على قوة التعلّم الآلي لفحص أعداد كبيرة وغير مسبوقة من الجزيئات بحثًا عن خصائص المضادات الحيوية فيها.

وفي دراسة أجريت عام 2020، أعلن فريق كولنز أنهم حددوا مضادًا حيويًا جديدًا عالي الكفاءة، ألا وهو: "هالسين"، الذي اقتبس اسمه من اسم الكمبيوتر الواعي HAL 9000 في الفيلم السينمائي الشهير "2001: فضاء الأوديسا" (2001:A Space Odyssey). وهذا المضاد الحيوي خارق فيما يبدو، كونه يقتل الإشريكية القولونية وداء السل وغيرهما من الأمراض، كما أنه فاعل ضد البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية التي تسبب الإنتان والالتهاب الرئوي.

والأهم من ذلك، لا يؤدي استخدام هالسين إلى حدوث طفرات كما هي الحال بالنسبة للمضادات الحيوية الأخرى؛ إذ يمكن لبكتيريا الإشريكية القولونية تطوير مقاومة للمضادات الحيوية الأخرى في غضون يوم واحد فقط، لكنها لا تستطيع تطوير مقاومة ضد هالسين حتى بعد 30 يومًا من التعرض له. وبالرغم من أن هالسين موجود منذ مدة طويلة، وجرى اختباره علاجًا محتملًا لداء السكري منذ سنوات، لم يعرف العلماء أنه يتمتع بخصائص المضادات الحيوية. يقول كولنز بهذا الخصوص: "إنه لا يبدو مثل المضادات الحيوية التي نعرفها، لذلك كان مستبعدًا أن يتعرف عليه البشر بصفته مضادًا حيويًا".

وبفضل الدعم الذي قدمه "أوديشوس بروجيكت" ضمن مبادرة للتمويل نظمتها TED بهدف دعم تطبيق الأفكار الإبداعية، يتطلع مختبر كولنز إلى إضافة المزيد لمجموعة أدوات المضادات الحيوية لدينا. تتمثل مهمة هذا المختبر في تحديد سبع فئات جديدة من المضادات الحيوية لمعالجة سبعة من أكثر مسببات الأمراض البكتيرية فتكًا في العالم على مدى السنوات السبع المقبلة.

يبدأ عمل المختبر بتحليل النشاط المضاد للبكتيريا لنحو 100 ألف جزيء معروف، ومن خلال ذلك يتولّى برمجة نموذج للتعلم الآلي للتنبؤ، اعتمادًا على البنية الكيميائية، بقدرة الجزيئات الجديدة على قتل البكتيريا من عدمها. ومن خلال هذا يتمكنون من اكتشاف مضادات حيوية جديدة قادرة على محاربة أخطر أنواع البكتيريا. يمكن للباحثين أيضًا التعلّم من نتائج هذا النموذج حول الخصائص المضادة للبكتيريا، واستخدام تلك النتائج في تصميم جزيئات جديدة تمامًا يمكن تصنيعها واختبارها. 

9. وأفضل من ذلك أن هذه الطريقة لها تأثير على كوفيد19-

قال كولنز في حديثه على منصة TED إن فريقه يسعى جاهدًا لتدريب منصة ذكاء اصطناعي تبحث عن مضادات جديدة لمعالجة كوفيد-19، وفي الوقت نفسه يحاولون تعديل خصائص لقاح "بي بي جي" (BBG) المستخدم حاليًا للوقاية من داء السل ليشمل مستضدات كوفيد-19. ويحاولون أيضًا صنع كمامة بإمكانها إجراء اختبار كوفيد-19 لمن يضعها طوال الوقت في أثناء التنفس، وذلك عن طريق تثبيت مجسّات تكشف الحمض النووي الريبوزي (RNA) على قماش الكمامة.

وأخيرًا، لا تقتصر مواجهة البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية على العاملين في مختبر كولنز، بل هي مسؤوليتنا جميعًا.

في المرة المقبلة التي تمرض فيها، استشر طبيبك عمّا إذا كان استخدام المضاد الحيوي ضروريًا، وفي حال كان ضروريًا تأكد من اتّباع إرشادات الوصفة الطبية لكي تقتل البكتيريا وتتجنب تحفيزها على التحوّر والتطوّر. وفيما يخص الاستهلاك اليومي، احرص على شراء اللحوم الخالية من المضادات الحيوية، وكذلك على استخدام الصابون العادي بدلًا من الصابون المضاد للبكتيريا، إذ إنه أكثر فعالية وتأثيرًا على جزيئات الفيروسات.

عن المؤلفة

كيت تورجوفنيك ماي هي كاتبة من مجتمع TED يمكنها حل مكعب روبيك في أقل من دقيقتين. اكتشف المزيد عن عملها عبر هذا الرابط.